الجمعة, 19 أبريل/نيسان 2024
الرئيسية
سيرة ذاتية
الاعمال الشعرية الكاملة
قصص قصيره
ديوانُ الأنهار الثلاثة
جِـــــــرارٌ بِلونِ الذهب
الحياة في خريطةٍ
عَيشة بِنْت الباشا
قصائـدُ هَـيْـرْفِـيــلْـد التلّ
طـيَـرانُ الـحِـدْأَةِ
الخطوة السابعة
الشــيوعــيّ الأخير فقط ...
أنا بَرلــيـنيّ ؟ : بــانورامـــا
الديوانُ الإيطاليّ
في البراري حيثُ البرق
قصائد مختارة
ديــوانُ صلاة الوثني
ديــوانُ الخطوة الخامسة
ديــوانُ شرفة المنزل الفقير
ديــوانُ حفيد امرىء القيس
ديــوانُ الشــيوعــيّ الأخير
ديــوانُ أغنيةُ صيّــادِ السّمَك
ديوان قصــائدُ نـيـويـورك
قصائد الحديقة العامة
صــورة أنــدريــا
ديــوانُ طَــنْــجـــة
ديوان غرفة شيراز
ديوانُ السُّونَيت
أوراقي في الـمَـهَـبّ
ديوان البنْد
ديوان خريف مكتمل
مقالات في الادب والفن
مقالات في السياسة
أراء ومتابعات
البحث الموسع
English
French
Spain
المتواجدون الان
يوجد حالياً 249 زائر على الخط
قصائـدُ هَـيْـرْفِـيــلْـد التلّ
قصائـدُ هَـيْـرْفِـيــلْـد التلّ طباعة البريد الإلكترونى

سـعـدي يـوسـف

Poems of Harefield on the Hill
1913

فُــتُــوَّةٌ

في الـ57
حـفَـرْنا ، بأظافرِنا الســودِ ، خنادقَ حولَ دمشقَ ...
بساتينُ الغوطةِ كانت بكثافةِ أدغالِ الأمازونِ
ومن أعلى جبلِ الشيخِ يسيلُ الماءُ زلالاً بين أصابعَ مُـفْـعَـمـةٍ بترابِ الأرضِ.
وفي الـ57
شــربْنا عرَقاً ، رُبْعَ البطْحــةِ
ثمّ نَـعِـمْـنا بشطيرةِ خبزٍ عربيٍّ ، رُبْعَ الليرةِ ...
في الـ57
أحببْـنا
و كـتَـبْـنـا في ضوءِ الشمعِ قصائدَنا الأولــى.
كان زماناً ذهَـبــاً
كنّا في الـ57 ...
وكنّا ، نحفرُ ، مثلَ دمشقَ ، خنادقَنا في الروح.

لندن 28.03.2010

ترنيمة للميلاد

أطْبِقْ جَفنَيكَ
لتســمعَ .
أطبِقْ جفنَيكَ
لتفتحَ باباً سِــرِّيّـاً في القلعةِ .
أطبِقْ جفنَيكَ
لتدخلَ بستانَ الخشخاشِ البـرّيّ ...
الليلةَ لن تَـتَـنَزَّلَ روحٌ
لن تأتيكَ ملائكةٌ في هيأةِ طَـيرٍ
لن تسمعَ قيثاراً
أو أجراسَ لُـجَـينٍ في الماءِ
ولن تلمحَ غزلانَ الرنّــةِ في السهْبِ الأبيضِ ...
هذي الليلةَ
تُطْـبِـقُ جفنَيكَ لِـتُـبْـصِــرَ .
أطبِقْ جفنَيكَ
ولا تستيقظْ
إلاّ عندَ صياحِ الديكِ الذهبيّ !

لندن 24.12.2010

هذا الأوّل من أيّار

لم أشعرْ  ، أبداً ،  أني ناءٍ
ووحيدٌ
مثل شعوري في هذا الأوّل من أيّار ...
ما حدّثَني أحدٌ
وأنا ، لم أتحدّثْ ، حتى في السِّـرِّ ، إلى أحدٍ .
والعمّالُ احتفلوا  في الباراتِ
وأُغلِقَت الساحةُ
لا أعلامَ
ولا أحلامَ ...
وأندِرْيا تركت لندنَ كي تسكنَ روما  ، شهراً
.................
.................
.................
حسناً يا ولدي !
نَمْ
وانتظرِ الأوّلَ من أيّارَ يُلَوِّحُ في أحلامِكَ
بالرايات الـحُمْــرِ
وبالقبَضات ...

لندن 02.05.2011

صباحٌ باريسيٌّ خفيفٌ

غادرتُ باريسَ صُبحاً ...
كان مُنعقَدٌ من السحابِ شفيفٌ .
كان في شفتي برْدٌ ،
وبُقْـيـا نبيذِ الليلِ
ألْـعَـقُـها
تيناً
قرنفلةً
ضوعاً من امرأةًٍ تعبى من الليلِ
والـنُّعْمى ،
وتحتَ قميصي النحلُ والعسَلُ .
أهو الخريفُ ؟
الممرّاتُ اكتستْ ذهَباًًّ يرِفُّ في الريحِ.
باريسُ التي شــرعَتْ تنأى
أُراقبُها من نافذاتِ قطارٍ :
قطرةُ الـمطرِ الأولى ...
.....................
.....................
.....................
تَـغِـيـمُ باريسُ !

Eurostar Train    Paris – London
04.10.2011

كنتُ أتمشّى ظُهراً

أمسِ ، قرّرتُ أن أتمشّى على طولِ تلك القناةِ العجيبةِ
تلك القناةِ التي شهدتْ بدءَ حُبَّـيـنِ
ثمّ نهايةَ حُبَّـينِ ...
تلكَ القناةِ التي قسمتْنيَ نصفَينِ
تلك القناةِ التي أغرقتْني ...
قلتُ : فَـلْـيَكُنِ !
اليومَ أمشي على ضفة ٍمثلَ حدِّ الصراطِ :
أحاولُ أن أتصالحَ
والماءَ
والعشبَ
والطيرَ ...
كانت سماءُ الخريفِ ، على غيرِ عادتها ، شبهَ زرقاءَ
والماءُ أخضرَ
والطيرُ أخضرَ
والعشبُ عند الضفافِ الخفيضةِ أخضرَ  ...
مَن كانَ في الـبُــعْــدِ ؟
مَن كان يوشكُ أن يعبرَ الجسرَ ؟
.................
.................
.................
هل تلكُما ... المرأتان  ؟

لندن 11.10.2011

دُعـــابــــةٌ

في " شارع الأزهار"
في باريس ،
فجراً  أستفيقُ على روائحَ :
شَعرِ مَن أحببتُ
خُبْزِ أهِلّـــةٍ من مخبزِ الحيّ الـمجاوِرِ لي
ويُدْعى في لسانِ الغالِ
Croissant
وطاسةِ قهوةٍ مُزِجَتْ حليباً .
سأُقَبِّلُ البنتَ التي أحببْتُ
سوف نكونُ كالعشّاقِ معتنقَينِ .
 سوف تقول لي حتماً : صباح الخير!
سوف أرُدُّ مبتسماً : صباح الخير ، ياحُبِّــي !
وأضحكُ  ...
هل نُمَــثِّــلُ ؟
لا !
ولكنّ الصباحَ بِـ" شارع الأزهارِ " يبدأُ هكذا ...
……………..
……………..
……………..

هل أعجبتْكَ الحالُ ؟
لم تُعجِبْكَ ؟
لا تحزَنْ ...
فَـثَــمَّ شوارعٌ أخرى بآخِرِ بلدةٍ غادرتَها ...
غادِرْ إليها الآنَ
واترُكْ " شارعَ الأزهارِ " يرفـلُ في مُلاءتِهِ الحريــر !

لندن 12.10.2011

يا نبعةَ الرّيحان

يا نبعةَ الريحانِ ...
حِـنِّــي !
إنني أمسَيتُ في الوادِ المقدَّسِ ، في طُوىً
لكنني أرنو إلى غيرِ المقدّسِ
إنني أرنو إلى مَن جاورَتْني في دمي
أرنو إليكِ .
 إليكِ وحدكِ: لا شــريكَ و لا شــريكةَ
إنني أرنو إليكِ
بكل ذُلّي
كلِّ حٌبّي
كلِّ ما يسَعُ الأذى
يا نبعةَ الريحان ...
..................
.................
.................
يا نبعةَ الريحانِ :
حِــنِّـي ...
إنني الولهانُ
حِنِّي !
الليلُ أقسى ، والحياةُ أشَـقُّ  إنْ لم تصطفيني
أو تَحِــنّي !
يا نبعةَ الريحان !

لندن 14.10.2011

ألعابٌ لُـغَــويّــةٌ

ربّما هجرتْكَ السماءُ التي كنتَ ترجو ...
ربّما !
فلْتَعُدْ للحقيبةِ :
ثَمَّ ســماءٌ سماويّةٌ  ( أنتَ أرهقتَها بالحديث طويلاً ! )
وثَمّ السماءُ التي هي للناسِ .
قُلْ لي :
إلى أيّ واحدةٍ أنتَ ترجِعُ
أو تستريحُ ؟
إلى أيّ واحدةٍ أنتَ تُسْـلِمُ رأسَكَ ، مستسلِماً ، كالوسادةِ ؟
لا !
لا تَقُلْ لي : أمُستَنطِقي أنتَ ؟
إني صديقُكَ
صورتُكَ
النسخةُ  ...
الآنَ ، لن يخدعَ الواحدُ ، الآخرَ .
الآنَ نحنُ سواسيةٌ
مثلَ أسنانِ مشطِكَ ذاكَ الـمُثَلَّـمِ ...
نحن سواسيةٌ
أنت لم تنسَ أني الشيوعيُّ
(لم تنسَ أنكَ كنتَ الشيوعيَّ)
فلنتّفِقْ !
لِنَقُلْ ، في الأقلِّ ، بأنّ التّساميَ ليس السماء...

مطار مدريد 02.11.2011

العراقُ آتٍ

سوف يأتي العراقُ الجميل
سوف يأتي العراق
بعدَ أن يرحلَ الأمريكيُّ
والخادمُ  الفارسيُّ الـمُـعَـمّـمُ ...
هذا العراقُ الجميل
قادمٌ  في الهواءِ الذي نتنفّسُ
في الشاي عند أعالي الفرات
وفي العَرَقِ الـمُرِّ في جبهةِ النهرِ ...
هذا العراق الجميل
قادمٌ في عباءةِ أُمّي التي رحلتْ وأنا جاهلٌ أنها رحلتْ
(كنتُ أذرعُ زنْقاتِ باريسَ ) ...
هذا العراقُ العجيب
سوف يأتي بنا من مَـنـابِـذنا  في الديارِ التي لم نُحِبّ
الديارِ التي لم تُحِبَّ ملامحَنا
وضراوةَ أجسادِنا ...
ولَسوفَ نكونُ سعيدينَ
مرتجفينَ
حُفاةً
خِفافاً
وممتلئينَ عفافاً
ورُعباً  ...
وسوف نقولُ لـهُ :
أيُّهذا العراق
لم يَعُدْ  في الطبيعةِ مُـتَّسَــعٌ
للفراقْ
أيُّهذا العراقْ ...

لندن 11.11.2011

محاولةُ اندماجٍ

قد قلتُ أمضي اليومَ  ( طقسٌ تافهٌ ) لأطوفَ  حول بُحيرةِ البطّ .
 انتبهتُ : وأيُّ معنىً أن أكونَ هناكَ ؟
لا البطُّ الذي يُسْمى يناسبُني ، و لا الماءُ الذي يجري هنالكَ ، مائيَ .
 الأشجارُ ( عرّاها الخريفُ )
أظنُّها نخلاً ؟
وهذا الطيرُ ؟
لو أرخى ببغدادَ الجناحَ ، لكان مأكولاً ...
وهذي النسوةُ  الخفِراتُ  لو كُنٌَّ انتقلْنَ إلى " الرشيدِ " مع الكلابِ  ، لكُنَّ بضعَ رهائنَ ...
يا ويلَتي !
والآنَ
هذي اللحظةََ
استحيَيتُ من أمري ...
مرّتْ بي فتاةٌ ذاتُ كلبٍ يشبِهُ العصفورَ:
Good morning!
أقولُ لها : صباح الخير !
بالعربيّةِ ....
الكلبُ الذي يبدو كعصفورٍ يقولُ مُرَحِّباً بي :
صباح الخير !
Good morning!

ولكنّ الفتاةَ تسيرُ ، شامخةً ، تجُرُّ الكلبَ
لم تعبأْ بأن تلقى التحيّةَ ...
لم تعبأْ بأنّ الكلبَ ظلَّ ، على طريقتِهِ ، يؤدّي لي التحيةَ ...
................
................
................
أيُّ طقسٍ تافهٍ !

لندن 19.11.2011

غيرَ بعيدٍ عن البحر

طيورُ السنونو تَـخاطَفُ فوقَ سطوحِ البناياتِ
في الفجرِ .
أفتحُ نافذتي :
صرَخاتُ النوارسِ تأتي مُـكَـتّـمةً .
أوّلُ العابرين إلى السوقِ
أولى البنات اللواتي يُبَـكِّـرْنَ نحو المواعيدِ
أوّلُ صيحةِ ديكٍ ...
كأنّ الصباحَ بطنجةَ يرسُمُ صورتَه ، قطعةً قطعةً.
ولْـيَـكُنْ !
إنّ كلَّ المرافيءِ تَنْـشــدُ أن تَطمَـئِــنّ ...

طنجة  21.10.2011

غادِر الآنَ ....

وأيُّ بلادٍ أنتَ فيها ؟
لِـتُغـلقِ النوافذَ ( ليستْ بالنوافذِ )
أغلقِ المحطّةَ ... (موسيقى الأميراتِ ليستْ ما تحبًُّ )
- كأنني تعثّرتُ ليلاً بالأميرةِ ، فلْيَكُنْ! -
وتلكَ دوحةُ بلّوطٍ !
وما علاقةُ نخلِ البصرةِ ؟
انتبهِ :
البلادُ التي آوتْكَ ليستْ بلادَكَ !
البلادُ التي آوتْكَ ، آوتْكَ كي لا ترى بلادَكَ يوماً !
أغلقِ الخطَّ !
أغلقِ الهواتفَ ...
أغلِقْ قلبَكَ !
النساءُ اللواتي قد حـبَـبْـنَـكَ لم يَكُنَّ لـيُحْبِـبْـنَ إلاّ بالشروطِ
وإلاّ  بالوثيقِة من يد الشُّرَطيّ
أنتَ
حفيدُ كِندةَ
 وامرىءِ القيسِ ... النبيّ
أفِقْ !
لماذا أنتَ في أرضٍ لقيصرَ ؟
أيُّ معنىً أن تكونَ بلندنَ الصغرى ؟
أو الكبرى...
أقولُ لكَ النصيحةَ  يا رفيقي :
غادِر الآنَ ...
امرؤُ القيسِ الذي قد جاءَ ، لا تتركْهُ ينتظرُ  !

لندن  22.11.2011

أسمعُ المطرَ الليلةَ

منذُ عشرِ سنينٍ ، هنا ، ما سمعتُ المطرْ
كنتُ أُبصرهُ :
ناعماً
نائماً
نافذاً في الحشائشِ مثلَ الهواءِ
ولكنني ، سوفَ أحتفلُ ، الليلةَ  !
الليلَ ...
سوفَ أحفَلُ بالكونِ :
إني سمعتُ المطرْ !
كان كالطيرِ ينقرُ ذاكَ الزجاجَ المضاعفَ
يسألُ أن يدخلَ ... الآنَ
ماذا سأفعلُ يا امرأتي؟
كوخُنا ، أنا أعني الصريفةَ ، في البصرةِ الطينِ
حيثُ وُلِدتُ
وحيثُ عَرَفتُ ...
يردِّدُ صوتَ المطرْ
والرعودَ
ويأّذَنُ للطفلِ أن يبصرَ البرقَ ،
يأْذَنُ للأم أن تحتفي بالمطرْ ...
..............
..............
..............
سوف أخرجُ من ظُلمةِ البيتِ في رِيفِ لندنَ
(قبري )
وأرقصُ تحتَ المطرْ !

لندن 08.12.2011

رؤيا عام  2112

أتملّـى سماءَ الشتاءِ بلندنَ ، هذا المساءَ .
السماءُ التي قد تُرى ،
 لا تُرى .
والصقيعُ المبَكِّرُ في العشبِ
أو في الزجاجِ الثخينِ لسيّارتي ، وهي تهمدُ في الساحةِ
الليلُ يدخلُ ( قبل الأوانِ ) ؟
ولكنه الليلُ ...
يأتي ، سُدىً بهواجسِهِ ، والكلامِ عن الليلِ ...
هاأنذا
أتملّى السماءَ التي لا أرى
أتملّى العراقَ الذي لا أرى :
رُبّما بعدَ قرنٍ  ، يعودُ العراق
وفي العامِ 2112
مثلَ ما هو في هذهِ اللحظةِ  ...
سوفَ يأتي لنا مقتدى الصدر بالأغنيات
ويأتي الصبيّ المعمّمُ عمّارُ بالراقصاتِ
ويأتي لنا المالكيُّ بألويةٍ من طُوَيريجَ ، متخَمةٍ ، ومدجّجةٍ
سوف يأتي لنا البارزانيُّ
والطالبانيُّ
بالشقشقاتِ  ...
.................
.................
.................
الطريقُ طويلٌ إذاً يارفيقي !
لندن 10.12.2011
 
رُبـاعيّـــــةٌ

غيومٌ رمادٌ تُـغطِّـي أعالي التلالِ
البحيرةُ قد أوشكتْ تتجمّـدُ ،
والطيرُ غابْ .

سنذهبُ عصراً إلى حانةِ القريةِ
البيرةُ ابتردَتْ
والستائرُ مثقلةٌ بالضّبابْ .

تظلُّ الكنيســـةُ ، دوماً ، كما هيَ ، في السفحِ
في الساحةِ ، الـجُـنْـدُ قتلى
وفي الـبُرجِ كان الغرابْ .

مساءٌ بلا لَـوعة ، أو شُــموعٍٍ لذكرى
مساءٌ ، و لا مِن أغانٍ
مساءٌ  يُطَـوِّحُ بي في الـمـفازةِ ، حيثُ الخرابْ .

لندن 20.12.2011

نهار أحد مشمس في مونمارتر

سوف ترقى بطيئاً لكي تبلغَ الساحةَ
الناسُ ظلّوا
قروناً
على مَـهْلِهِم ، يـصـعدون إلى الساحةِ الوثنيّةِ
مثلَ الحجيج
. القديمِ
الشوارعُ مرصوفةٌ بالحجارةِ
والساحةُ الوثنيّـةُ مرصوفةٌ بالورَقْ .
كنتُ أسألُ عن أصدقاءٍ قدامى ، أقاموا ، هنا ،
يرسُمونَ

 لكي يأكلوا
 خبزَهم
وقليلاً من الجـُبْن مُـمْـتَـضَـغـاً والنبيذ ...
لم يَـعُـدْ أحدٌ منهمو !
غادَروا
غادَروا كلُّهم ...
أينَ ؟
لكنّ ساحةَ مونمارتر الوثنيّةَ تكتظُّ ، مرصوفةً بالورقْ
والشوارعُ ،
. كالأمس ، مرصوفةٌ بالحجارة
قد غابَ مَن كنتَ تعرفُ
غابوا
وشابوا
وذابوا من القهر  ...
لا ترتعبْ !
لا تَقُلْ
للشوارعِ ، حتى ولو أنكرَتْـكَ  : وداعاً
هيَ أُمُّـكَ
قد أرضعَتْـكَ جنونَ
المسيرةِ 
*
فَـلْـنَحتـفِـل
  !

لندن 22.12.2011

قمرٌ في الشتاء الإنجليزيّ

قمرٌ
خنجرٌ من نحاسٍ
هلالٌ تُـكسِّـرُهُ غابةُ الليلِ ...
لا نجمةٌ.
قمرٌ في شتاء القذى الإنجليزيّ
محتقَرٌ
ذابلٌ
خاملٌ
لا عيونَ تُتابعُهُ
لا أغانيَ تتبعُهُ
قمرٌ ليس للشعراءِ
(تراهم جميعاً بحاناتهم )
ولا للصبايا
(ترنّحْنً في الغُرُفاتِ الغريبةِ )
لم يبقَ إلاّ القمرْ
وحدَهُ ... في المتاهةِ
.............
.............
.............
لكنّ شخصاً نحيلاً
يقفُ الآنَ ، محتجَزاً ، هو والليل
يفتح نافذةً
ويُطيلُ الوقوفَ
يُطيلُ الوقوفَ
إلى أن يغيبَ القمرْ ...

لندن28.12.2011

صلاةٌ في 31 كانون أوّل 2011

مطرٌ ، ناعمٌ ناعمٌ ، أبيضُ
الشجرُ الأجردُ المـتطاولُ عبرَ السياجِ
بدا  غاطساً في الحليبِ.
الظهيرةُ قد أُدْمِجَتْ تحتَ قُرْصِ الأغاني
أغاني النساءِ اللواتي ترنَّحْنَ في شمسِ إفريقيــا ...
نحنُ نشربُ شاياً بلا لَذْعةٍ بالحليبِ ،
لقد طفحتْ بالحليبِ المزاريبُ
والساحةُ انكفأتْ في بياضٍ من  الـبَـرَصِ ...
المرأةُ ، اليومَ ، تُخْـلِفُ موعدَها ، عادةً.
والرجالُ ينامونَ حتى الظهيرةِ
والشمسُ قد سافرَتْ نحو إفريقيا .
.................
.................
.................
سوف أتْـبَـعُ شُــؤبوبَـها بصلاتي ، إذاً !

31.12.2011 لندن

المستحيل

أتملّى السماءَ الشتائيّةَ :
الشجرُ الـتَـفَّ بالمعطفِ الأبديِّ
الطيورُ تهاجرُ ...
لكنْ إلى أينَ ؟
ثَمَّ ســماءٌ
و ثَمّـّتَ أرضٌ
وبينهما ليس إلاّ الهواء ...

لندن 02.01.2012

نــقّـارُ الخشبِ

نقّارُ الخشبِ الزائرُ لم  يأتِ بدايةَ هذا العامِ  ، كما اعتادَ
وكما اعتدتُ ...
والدّوحةُ  ظلّتْ  عاريةً ، جاهزةً  ، تنتظرُ
لكنّ النقّارَ تخَلَّفَ :
لم يأتِ بدايةَ هذا العامِ !
كأنّ النقّارَ أحَسَّ بأني أحتاجُ إلى أن أسأله شيئاً
(هل يتنبّـأُ نقّارُ الخشبِ ؟ )
لكنْ ، لو جاءَ  ، إلى الضيعةِ ، نقّارُ الخشبِ ، اليومَ
وأنشَبَ في الجِذعِ ، المنقارَ الإزميلَ  ،
وصارَ يدقُّ
يدقُّ
لقلتُ لهُ :
امنحْني يا نقّارَ الخشبِ الزائرَ ، منقارَكَ ، بضعَ دقائقَ
بضعَ دقائقَ ، حَـسْـبُ !
امنحْني منقارَكَ
كي أفقأَ عينَ السيكلوبِ
وأنجو من حبســي !

لندن 04.01.2012

الأطلال

ليست الأطلالُ ما نهجسُهُ
أغنيةً
أو نجتليهِ
شاخصاً يَبْلى مع الريحِ ...
هي الأطلالُ تنمو خِلْسةً
كالعشبِ
تغفو ، خلسةً ، كالعشبِ
تذوي ، خلسةً ، كالعشبِ.
والأطلالُ ليستْ حجراً
أو رملةً
أو ما تَبَقّى من رمادِ الموقدِ .
الأطلالُ
ما تُمسكُهُ الراحةُ ، من أيّامنا ، كالماءِ ...
ما نُمسكُهُ ، نحن ، من الأرضِ الهباء !

طنجة  24.01.2012

يقظةُ الأحدِ

أنت في فجر طنجةَ لستَ تُــفَــرّقُ
بينَ صُراخِ النوارسِ جائعةً
ومُواءِ القططْ !
ذلك الأطلسيُّ القريبُ من الــنُّـزْلِ يمنحُكَ الوهمَ :
في قارةِ الغرَقِ العذْبِ أنتَ
وبين ذراعَي عروسةِ بحرٍ تحبُّكَ ...
هاأنتذا
تترجّحُ  بين النعاسِ المضمّخِ والصحوِ
بين النوارسِ والقططِ ...
..............
..............
..............
الشمسُ تدنو من النافذةْ .

طنجة 22.01.2012

في مساء الــمرفأ

ثلاثُ نوارسَ
دارتْ  ، مسرعةً ، حولَ هوائيّ الفندقِ
ثم مضتْ ، مسرعة ، نحو البحرِ .
مساءٌ يتمهّلُ في الطُّــــرُقاتِ
وفي خطواتِ الفتَياتِ
وفي عرباتِ الباعةِ ...
لكنّ الليلَ سيأتي ، حتى في هذا الحيّ الشعبيِّ
سيأتي الليلُ ...
وتنأى خُطُواتُ الفتياتِ
وتنأى عرباتُ الباعةِ .
............
............
...........
ثَـــــــمَّ ثلاثُ نوارسَ غابتْ
أينَ ، تُراها ، ستنام ؟

طنجة    24.01.2012

غيومٌ من الأطلســـــيّ

غيومٌ من الأطلسيّ
تجيءُ محمّلةً بالسنونو وبالنورسِ المتخاطِفِ والوردِ.
كان الصباحُ نديّاً
وكانت شوارعُ طنجةَ تلمعُ ، تيّاهةً بسوادٍ أنيقٍ ...
مناسبةٌ !
سوف ألبسُ  ، من أجْلِ هذا ، قميصاً من الصوف ، أسودَ !
سوف تكون المدينةُ جاهزةً لي :
أطوفُ بها
ثم أهبطُ  ، نحو النخيلِ على شاطيء البحرِ
ثم أعودُ إلى الغرفةِ الأبديّةِ
حيثُ أُلَـمْـلِـمُ نفسي
وما كنتُ فزْتُ به من مسيري ، هذا الصباحَ ...
............
............
............
ولكنني سوف أنسى المدينةَ
والناسَ
والبحرَ
حين أُحِسُّ بأنيَ لست المهدهَدَ بين ذراعيكِ
هذا الصباح !

طنجة  26.01.2012

نساءُ " سوق الـمُـصَـلّـى "

مطرٌ فوق طنجةَ ...
هذا الصباحَ تكون النساءُ بـ " سوق الـمُــصَـلّى " بلا درهمٍ :
كيف يجلسنَ تحت المطرْ
يـبِــعْنَ الخضارَ
وأرغفةَ الخبزِ
والجبنةَ المنزليّــةَ ؟
هذا المطرْ
نعمةٌ للمزارعِ ، للأغنياءِ الأُلى يملكونَ المزارعَ
أمّا النساءُ بــ "سوق الـمُـصَـلّى"
النساءُ اللواتي يبِعْنَ الخضارَ وأرغفةَ الخبزِ
والجبنةَ المنزليّةَ ...
فلتكُنْ رحمةُ اللهِ خيمتَهنّ التي ليس من رحمةٍ غيرها
في السماءِ السخيّةِ دوماً على الأغنياء !

طنجة 02.02.2012

سـاحة العاجزينَ

ثَـمّ ، في " ساحة العاجزين " المدافعُ
تلكَ التي صـبَّـها ، منذُ قرنٍ ، مغاربةٌ ... غادَروا الأندلُس
والمدافعُ ظلّتْ مصَـوَّبةً نحو ما كان يُعرَفُ بـ " الأندلس" ...
أنتَ تأتي إلى الساحةِ ، الصبحَ
تأتي إلى الساحةِ ، الليلَ
لكنّ تلكَ المدافعَ ، قد تختفي ، بغتةً ...
قد تصيرُ قواربَ
أو شاحناتٍ
ورُبّــتَــما أصبحتْ طائراتٍ لنقلِ الجنودِ
أو السائحاتِ ...
المدافعُ قد تتبدّلُ أسماؤها مثلَ ما تتبدّلُ أسماؤنا ...
مثلاً :
إنّ اسمي ... محمّد!

طنجة 04.02.2012

“العرائش "  نهارَ المولد النبويّ

كانت " ساحة إسبانيا " السابقةُ القَوراءُ ، تضجُّ  بأصواتِ الباعةِ
بالعرباتِ اليدويّةِ
والنسوةِ شيهِ الملتحفاتِ
تضجُّ  بما لم يَكُ إسبانيّـاً
أو عربيّاً
ولم يكُ ، بالطبع ، أمازيغيّاً ...
كانت " ساحةُ إسبانيا "  تنهقُ مثل حمارٍ أرهقَه ما يحملُ .
مَن يتذكّرُ ؟
مَن يذْكرُ أنّ نبيّاً وُلِدَ اليومَ لـتُرضعهُ خادمةٌ ؟
أين محمدٌ الأوّلُ في الساحةِ ؟
.................
.................
.................
في " ساحة إسبانيا " لافتةٌ من قطنٍ أبيضَ :
أغنيةٌ للسيّدةِ المصريّةِ :
وُلِدَ الهدى فالكائناتُ ضياءُ
وفمُ الزمانِ تبسُّمٌ وغناءُ ...
*
في " العرائش" لا يُغَنّي أحدٌ:
الحانتان القذرتان : في الساحة ، وعند البحرِ
الحانتان الوحيدتان
مغلقتان اليومً
وفي مثلِ هذا اليومِ
كلَّ عامٍ
كلَّ يومِ مولدٍ نبويٍّ.

طنجة 05.02.2012

البيت

أنا أبحثُ عن بيتٍ
منذ سنينٍ وأنا أبحثُ عن بيتٍ
كم بلدانٍ طوّفْتُ بها وأنا أبحثُ عن بيتٍ !
كم قاراتٍ !
كم  أثوابِ نساءٍ ...
كم ساحاتٍ  للقتلِ !
وكم كتُبٍ ...
كم مدُنٍ !
وأخيراً :
أنا في طنجةَ أبحثُ عن بيتٍ
منذ سنينٍ وأنا في طنجةً أبحثُ عن بيتٍ !
لكني سأعودُ ( كما كنتُ ) بلا بيتٍ
اللابيتُ هو البيتُ ... إذاً !

طنجة 07.02.2012

خواطر 8 شباط

في غرفةِ الفندقِ
بالرغم من النافذة المحكمة الإغلاقِ
بالرغم من الستارةِ المسْدلةِ ...
النورسُ يبدو لكَ ، تيّاهاً ، مع الغفلةِ ،
بل تسمعهُ
عند هوائيّ الإذاعةِ  ؛
النورُ الذي تتْبعُهُ حتى ولو حفرةِ الديجورِ
يبدو لك ، بغتةً ...
من أين هذا النورُ ؟
والنورسُ ؟
إن الغرفةَ الباردةَ الفقيرةَ الجرداءَ في الفندقِ
لا تسمحُ حتى باحتمالِ الوهمِ ...
لكنك تيّاهٌ مع النورسِ
تيّاهٌ مع النورِ الذي لم يكنِ ...
الغرفةُ في عتمتِها ، ملتفّةٌ ...
أنت وحيدٌ
قانطٌ
تنتظرُ الفجرَ الذي سوف يهِلُّ
اليومَ
أو بعد قرونٍ ...
لكَ أن تفعلَ ما شِئتَ
وأن ترقصَ والنورسَ في غرفتكَ ...
الفجرُ سيأتي !

طنجة  08.02.2012

الإسلامُ ديناً

كان الإسلامُ ، الحائطَ
آخرَ ما نلتاذُ به ، حين تضيقُ بنا
الدنيا
ويحاصرُنا الأعداء ُ ...
الإسلامُ هو
 الجذعُ
الـمُدّرَعُ
الخيمةُ حينَ يُطيحُ الأعداءُ البيتَ
الإسلامُ هو
 المنبِتُ
والنبْتُ
وآياتُ حُفاةٍ وشُــراةٍ
الإسلامُ
عليٌّ
عُمَرُ
الخنساءُ
وطارقٌ بنُ زياد
الإسلامُ هو المرأةُ في السوقِ

هو الشاعرُ في الدسكرةِ
الإسلامُ هو الحريّةُ في ألاّ تؤمنَ
بالإسلامِ
ليس الإسلامُ قميصَ الأميركيّ
ولا جزمةَ ذاكَ النرويجيَ
أو الغاليَ ،
وليس سلاحَ ذوي الأحداقِ الزُّرقِ
الإسلامُ
هو
 الحلمُ بآخرةٍ بيضاءَ
وأسرابِ حَمام ...

طنجة 12.02.2012

ســلامٌ من هناك

وكيفَ يومُكَ ؟

كان الليلُ يهبطُ  ...
والأشجارُ تُمسي رصاصاً .
هل تحيّتُها  ، تلك البعيدة ، تُدْنيني؟
هل اقتربَتْ مني الروائحُ ؟
نَدٌّ نافذٌ
عبَقٌ من دوحةِ التين
ضوعٌ من مَنابتِ فخْذَيها ...
وضحكتِها :
وكيفَ يومُكَ ؟

يا مَن أستريحُ  لها  ، وهي البعيدةُ
يا مَن أستريحُ إلى انكسارِ لَـثغتِــها
لا تقطعي هاتفاً في الليلِ
واتَّــرِكي لي أن أُمَصْمِصَ ما تحكينَ ...
أن أجدَ النبضَ الخفيَّ
وأن أستروِحَ العِرْقَ ، حتى يستوي عرَقــا ...

وكيفَ يومُكِ ؟

لندن 27.02.2012

ضَــبــاب

لا تلوحُ المراكبُ في النهرِ
والشجرُ المتباعدُ يندسُّ ، مختفياً في مُلاءةِ قطْنٍ سماويّةٍ
وحدَهُ ، السورُ ، ينهضُ أسْودَ بين البياضِ
الطيورُ التي غرّدتْ في الصباحِ المبكِّــرِ ، تصمتُ
والنورُ يشحبُ حول زجاجِ المصابيحِ .
والعشبُ تَــغْـــمُــقُ خُضرتُهُ .
لن تجيءَ الحمائمُ
قد أغلقَ الدَّغْلُ أبوابَـــــهُ ...
واختفى  ،
في الضّــــباب .

لندن 02.03.2012

تنويع على " ما مقامي بأرض نخلةَ " للمتنبي

ما مقامي بريفِ لندنَ إلاّ كمقامِ المسيحِ بينَ اليهودِ ، الليلُ أعمى ، والهاتفُ الأسوَدُ ملقىً ، هامدٌ في بُحيرةٍ من همودٍ
ليس من زائرٍ . تلَبَّثَ حتى الطيرُ . أمّا أبناءُ جِلْدي العراقيّونَ  ... لا تنْكأ الفضيحةَ و القيحَ ! رذاذٌ على النوافذِ . ريحٌ لا أُحِسُّــها دخلتْ بين قميصي والجِـلْدِ . ماذا سوف ألقى إنْ عشتُ عاماً آخرَ ؟
 الهاتفُ ملقى .
 والموتُ دونَ شهودِ ...
خَــلِّها ،
خَــلِّها تمرُّ
سأبقى ، الفرْدَ ، سيفاً
لم يذهب الناسُ الأُلى قد حـبَـبْــتُهمْ .
إنهم  في كلِّ غصْنٍ خَضــدْتُــهُ
إنهم في كلِ كأسٍ شربتُها
كلِ رقصي
من ركعةٍ وســجودِ .
................
................
................
ما مقامي بريفِ لندنَ إلاّ كمقامِ المسيحِ بينَ اليهودِ
لستُ ألقى سوى العجائزِ
بُرْصاً
والمريضاتِ
من ليالي الجنودِ .
*
ما مقامي بريف ِلندنَ إلاّ كمقامِ المسيحِ بين اليهودِ .

لندن 04.03.2012

أفقرُ الفقراء

لم تبْقَ أرضٌ لم تحاولْ أن تُـثَـبِّتَ خيمةً فيها ؛
هل الأرَضونَ قُدَّتْ من حديدٍ ؟
ربّما ...
*
و الآنَ ، في السبعينَ ،
يبدو المشهدُ الأبديُّ أوضحَ :
لن يرى فان كوخ أرحمَ من طبيبٍ للمجانينِ .
*
الحياةُ جميلةٌ
وجديرةٌ أبداً بأن نحيا بها  ...
الأشجارُ تحيا
والعصافيرُ ،
القنافذُ
والذئابُ
النملُ ،  والحلزونُ  ، والأفعى الجميلةُ
*
لا تَقُلْ لي إنني أمسيتُ كالشعراءِ !
إني أفقرُ الفقراءِ
كم حاولتُ ، حتى هذه السبعينَ  ، شيئاً تافهاً
وفشِلْتُ :
تلكَ الخيمةُ !

12.03.2012    لندن

التحديقُ إلى الأسفل

أنا في أعلى التلّ
لقد جاهدتُ طويلاً ، منذ الفجرِ ، لأبلغَ أعلى التلّ
حِـدَأٌ تتمهّلُ في الريحِ
القريةُ في القاعِ :
كنيستُها
ومنازلُها
و البارُ الأقربُ من مدخل ِ نادي الغولفِ .
الآنَ أرى ما لستُ أرى:
وطناً أعلنَ منذ 2003 – أنا مستعمرةٌ
أمّا أبناءُ الوطنِ المعلَنِ في لندنَ
(ليس عراقاً )
أعني من يكتبُ حرفاً
أو يرسُمُ ظِلْـفاً
أو يتوهّمُ ضربَ الطبلةِ والعود ِ ...
إلخ.
فقد اختاروا ، منذ 2003
وبكل الإصرار:
CIB
NI5
NI6
إلخ ...
كم هم سعداءُ !
ولكني في أعلى التلّ
في القمّةِ
تبدو القريةُ في القاعِ ، البلْقَعَ
تبدو اللاشيءَ .
.....................
....................
....................
ولكني سأظلُّ بأعلى التلّ !
أظلُّ كتلكَ الحِدأِ اللاتي تتمهّلُ في الريحِ
بأعلى التلّ ...

لندن 13.03.2012

استمطار

اليومَ
كادتْ غيمةٌ بيضاءُ تدخلُ غرفتي
(أعني بأُوتيل رِيتز )
Ritz Hotel
كادتْ ، في الحقيقةِ ، تدخل غرفتي ؛
حتى لقد فتّحتُ نافذتي لتدخلَ :
أقْبِلي يا غيمتي البيضاءَ ...
أنتِ أتيتِ  عبرَ مضيقِ سبْـتـةَ
من شمالِ العالَمِ :
الفقراءُ ينتظرونَ ماءً منكِ
ينتظرونَ أن تغدو الحقولُ ، بلحظةٍ ، خضراءَ
ينتظرون أن تتشرّبَ الراحاتُ بالماءِ المقدّسِ منكِ ؛
ينتظرونَ ، والأطفالَ ، أغنيةَ السنابل ...
فاسمعيهمْ
ولتكوني غيمةً سوداءَ ...
كوني غيمةً سوداءَ
سِــيري نحو " مكناسَ " البعيدةِ
واهطِـلي
ليكونَ طعْمُ نبيذها ، القاني ، ألَــذَّ  !

لندن 16.03.2012

القدّيس الإيرلنديّ

قدّيسُ إيرلندةَ سانت باترِك
Saint Patrick
تراه اليومَ في الحاناتِ :
ملفوفٌ وخنزيرٌ وما يطفحُ من بيرتها السوداءِ ...
(مجّاناً ! )
و دوماً ، كنت أمضي ، ظُهرَ هذا اليومِ نحو البارِ
كي أحظى بملفوفٍ وخنزيرٍ 
وبالبيرةِ مجّاناً ...
ولكنيَ لم أذهبْ هناكَ اليومَ ؛
لم أذهبْ لأني كنتُ وحدي :
ليس من سيّدةٍ تُعينني على احتمالِ العيدِ و الملفوفِ والخنزيرِ  ...
هل كنتُ شقيّاً ؟
ربّما
ليس لأني لم أكنْ في البارِ ...

لندن 17.03.2012

دربُ الـزَجّـاجـين  Rue de la Verrerie

قبل عشرين عاماً وأكثرَ كان الطريقُ إلى الدرْبِ طَوفي الذي أتشبّثُ بالحبْلِ منهُ ،
لقد كدتُ أغرقُ في مَهْمَـهٍ من أزقـّـةِ باريسَ . ما قالَ لي أحدٌّ : مرحبـاً.
لم أجالسْ بمقهىً ، صديقاً . و لا قالت امرأةٌ : كيف أنتَ؟ أمُرُّ على واجهاتِ
المخابزِ ، أستافُ رائحةَ الخبزِ . ثَمَّ تلالٌ من  الجبْنِ.ثَمَّ شــواءٌ وجــابيـةٌ
من نبيذ . لقدكدتُ أسقطُ جوعاً. قميصي تَهدّلَ.والبصَرُ  الـمَحْـضُ غامَ .
وفي مثلِ معجزةٍ ،
مثل ما كان يَحْدُثُ للأنبياءِ
أتتْني مع الظُّهرِ ... آنُ التي هي مريمُ .
قالت: سلاماً.
أقِمْ ههنا
ادخُلْ
ولا تخف  ...
البيتُ بيتُكَ .
أرجوكَ :
فتّحْتُ بوّابةَ اللوحِ
طهّـرتُها بزجاجةِ ماءٍ من النهر  ...
فادخلْ !

لندن 20.03.2012

ليليّةٌ في ليلٍ عاصفٍ

أصخرةٌ في مهبّ الريحِ ، أنتَ ؟
إذاً
لأيّ معنىً تهبّ الريحُ ؟
ربّتما أرادت الريحُ أن تنأى  ... وتهدأَ
أنتَ ، اللحظةَ ، الصمَدُ
والريحُ تعرفُ أن الصخرةَ احتفلتْ بعُسْرِها
فكأنّ الريحَ تُخْتضَـدُ ...
تقولُ :
وحدَكَ
لا أهلٌ
ولا بلدُ ،
وليس مَن  تُغْمِضُ العينينِ إنْ دنتِ المنـيّـةُ .
أنت الواحدُ الأحدُ ...
فاهدأْ
وكُنْ مثلَ ما أنتَ :
الطريقُ إلى بغدادَ  أعقَدُ ممّا كنتَ تعتقدُ .
فاهدأْ
ودعْ طائرَ الليلِ الشحيحَ يقُلْ شيئاً ؛
ودعْ ريحَ هذا الليلِ تـتّـئـدُ ...

لندن  26.04.2012

الهاتـفُ يخـتـنـقُ

كانت تئِنُّ ...
الصوتُ عبْرَ الهاتفِ المبحوحِ مختنقٌ .
وفي طرَفِ الحديقةِ ، عند بابي ، صفرةٌُ من كستناءَ عتيقةٍ .
في نبتةِ الزيتونِ ، ثَـمَّ ، براعمُ اخضرّت ، وأتلعت الرؤوسَ بـخُضرةٍ صفراءَ
كالزيتونِ ...
كان الصوتُ مختنقاً :
أُحِـبُّـكَ !
كيف غادرتَ المدينةَ ، هائماً ، في الفجرِ ؟
كيفَ عرفتَ أن تصلَ المحطّةَ ؟
ليس من تاكسي ، هنا ، في الفجرِ ؟
لا عرباتِ خيلٍ
لا زوارقَ  ، بَعْدُ ، في القنَواتِ  ...
كيفَ بلغْتَ مُنتبَذاً بلندنَ ، قبلَ أن أصحوْ ؟
أُحِبُّكَ !
أنت دوماً هكذا ...
...............
...............
...............
هل تذكرُ البارَ القديمَ ، هناك في باريسَ ... حيثُ الشاحناتُ ،
وسائقوها الأشقياءُ ؟
ألم تغادرْ ، فجأةً ،  كاليومِ ؟
لكني أحبُّكَ .
أنتَ دوماً هكذا ...

لندن 30.04.2012

مَن صبَرَ ظفَرَ ....

أن تبلُغَ شقّةَ أوكتافيا
يعني أن تصعدَ سُلَّمَها الخشبَ الضيِّقَ
مثلَ سلالمَ تعرفُها في سفنِ الشحنِ ...
وأن تصعدَ يعني أن تصمُدَ في وجه الكلبَينِ وإنْ كانا مرِحَينِ.
وأن تصعدَ يعني أن تتأكّدَ من أنكَ لن تتدحرجَ حتى الأسفلِ ، من لوحٍ مكسورٍ ...
هذا إنْ كنتَ بكاملِ صحوِكَ ...
شقّةُ أوكتافيا
ليس بها غرُفاتٌ :
مركبةٌ لقطارٍ ، شقّةُ أوكتافيا
معرضُ لوحاتٍ
وتماثيلَ
ومَكْدَسُ آياتٍ من مدنٍ شتّى ...
لكنّ لأوكتافيا مائدةً قوراءَ ، بها كأسانِ
 وكرسيّانِ
ومضغةُ جُبْنٍ أبيضَ  في خبزٍ أســودَ.
والكلبانِ يدورانِ
ورُبّتَما اختطفا الجبنَ الأبيضَ في الخبزِ الأســودِ ...
أنت تقول لها : أوكتافيا  !
أرجوكِ
دعي الكلبَينِ يدورانِ بعيداً ...
أوكتافيا تبتسمُ :
يا سعدي أعرفُ مُـذْ كنّا في باريسَ  حقيقةَ أنك لستَ سعيداً بثقافةِ كلْبٍ
والآنَ  :
أمامكَ كلبان!
*
اصيرْ
سأجيئكَ بالويسكي!

07.05.2012   لندن

أبولِّـيْـنَـيــر  Apollinaire

كان " سوقُ البراغيثِ"  يفتحُ أولى صناديقِهِ
ومغاربةٌ قدِموا قبلَ شهرٍ من " الريفِ " يفتتحون الضحى .
كان غيمٌ شفيفٌ يحاولُ أن يتكثّفَ أسودَ ...
بردٌ خفيفٌ.
أقولُ لأوكتافيا :
ندخل الآنَ في البارِ
سوف يجيءُ المطرْ !
*
نحن في الركنِ ...
في بغتةٍ ، كان " سوق البراغيثِ"  يَنقَعُ تحت المطرْ.
نحن في الركنِ ، نستقبلُ الهاربين من المطرِ.
امرأةٌ جلستْ معنا.
قدّمتْ زوجَها الكهلَ .
*
كتّافيّةُ ضابطِ صَفٍّ من جيشٍ أحمرَ كانت في أعلى بيريّـتِـهِ.
*
كان " سوقُ البراغيثِ " يدخلُ في البارِ .
والكهلُ يدخُلُ في رشفةٍ من نبيذٍ
وأوكتافيا طلبتْ جبنةً ونبيذاً ...
لقد كان أربعةٌ يدْفأون بعيداً عن السوق والقادمِ المغربيّ وأوصافِـهِ وبضاعتِهِ.
كان أربعةٌ يُنشِدون
كان في الركنِ :
جسرٌ
وماءٌ
وأبولينَيـــر !

لندن 08.05.2012

الهــدوء

بعد أن مُرِّغتْ " عطلةُ المصرفيّين " في وحل أقداحِ بيرتِها
وخراءِ النساءِ الدميماتِ
والشاشةِ الكيلومترِ ( الرياضيّةِ ) ...
الآنَ يهدأُ حتى اليمامُ.
وتهدأُ جـنّـيّـةُ  الغابةِ.
الدربُ يهدأُ
والساحةُ العامّةُ.
الفتياتُ اللواتي فقدنَ مع العطلةِ الوثنيةِ عُذْريّــةً ، صرنَ يهدأْنَ أيضاً .
لقد هدأَ السامرُ
الإمبراطوريّةُ الوهمُ تهدأُ.
..............
..............
..............
إني أنام .

لندن  08.05.2012

بَـيــاضٌ

الـمرْجُ  زهورٌ بِيضٌ
درْبُ الحيّ السّكنيّ الموحشِ ( حيثُ أُقِيمُ ) زهورٌ بيضٌ
سقفُ دفيئةِ جاري الأسكتلنديّ زهورٌ بيض
ساحتُنا الخـلْـفـيّةُ والبستان زهورٌ بيض
مَرقَى البيتِ زهورٌ بيض
فوق قميصي الورديّ زهورٌ بيض
وحذائي في الممشى ملأتْـهُ زهورٌ بيض
وعلى السيّاراتِ ( كأنّ زواجَ الإسكندرِ حَلَّ ) زهورٌ بيض
بابُ الحانةِ غطّـتْـهُ زهورٌ بيض
وعلى شَعري تاجٌ ضفَرَتْهُ زهورٌ بيض
وصديقتيَ النمساويّةُ تصنعُ  ( في الموسمِ ) حلوى من زُبْدٍ وزهورٍ بيض
..................
..................
..................
لكنّ  فراشــي الباردَ
ليس به أيُّ زهورٍ بيض !

لندن 11.05.2012

اعتــذارٌ

مضى  صيفُ القرنفلِ ...
لا تَقُلْ لي : أجيءُ غداً إليكَ
وثَمَّ كأسٌ ستجمعُنا
وأسماكٌ
ونخل.ٌ
ولا تلجأْ لسومرَ ، والمراثي ببابلَ ، والسوادِ ...
إلخ
إلخ ...
لا!
مضى صيفُ القرَنفُلِ
واستقرّتْ عميقاً وردةُ الزرنيخِ .
أبعِدْ
ولا تأتِ .
العراقُ الذي أحببتَ لم يَعُدِ.
العراقُ الذي أحببتُ لم يَعُدِ ...
انتظرْنا
وانتظرْنا.
قد مضى صيفُ القرنفلِ ٌ
وانتهَينا ...

لندن 23.05.2012

منظرٌ صباحيٌّ

في الغبْشــةِ
كان ضَبابُ الغابةِ أبيضَ أزرقَ
والطيرُ  بلا صوتٍ ؛
ثـمّتَ ، عند قناة الماءِ العظمى ، تبدو أشباحُ مَراكبَ
خيطٌ من مدخنةٍ يتلوّى صُـعُـداً .
لا هجْسَ حفيفٍ من شجرٍ
لا رفّـةَ  من أجنحةٍ أو أهدابٍ ...
لَكأنَّ اللحظةَ جامدةٌ
وكأنَّ العالَمَ لم يتكوَّنْ بَعْدُ .

لندن 30.05.2012

اُحِبُّ النحيلةَ

اُحِبُ النحيلةَ
تلكَ التي تتثنّى ،
وقد  تنثني
مثلَ ما ينثني الخيزرانُ المبلّـلُ ...
في  اللحظةِ الصّعْبِ
في لحظةِ الـحُبِّ
......................
......................
......................
إني أحبُّ النحيلةَ
يا طالَ ما  طوّقتْني بأرجوحة الخيزرانِ
بساقَينِ من قصبٍ سُكّرٍ
وبنهدَينِ لم يـبْـزُغا  بَعْدُ  ...
إني أحبُّ النحيلةَ
إني أحبُّ الحياةْ !

لندن  31.05.2012

رِضــــا

هل تريدين أن تعرفي بعضَ ما أنا فيهِ :

الزهورُ التي  لستُ أعرفُ أسماءَها ، وسماواتِها
والسماءُ التي لستُ أبصِرُ  أزهارَها
والمروجُ التي تتمرّغُ فيها الخيولُ مجلّلةً بالقطيفةِ
والنسوةُ المغْرَماتُ بيومِ القيامةِ
والكنيسةُ حيثُ الصبيُّ الذي يتعهّدُ إيقادَ كلِ الشموعِ
بنصْفِ جُـنَـيْـهٍ ،
أقولُ :
الحياةُ مبارَكةٌ
والدروبُ مبارَكةُ السَّعْيِ
حتى وإنْ لم تُـؤَدِّ ...

لندن 31.05.2012

بَــدَهِــيّــةٌ

لستُ الـمُـقـامرَ
أنت تعرفُني ، طويلاً ، من نخيلِ أبي الخصيبِ
إلى  تمارينِ الصباحِ بـ " نقرة السلمانِ " ...
حتى لندنَ ... الآن !
انتبهْتَ ؟
أريدُ أن تُصْغي إليّ الآنَ :
لم أكن المقامرَ
هكذا !
لكنني غامرتُ  ... كنتُ ولا أزالُ ، هنا ،
 المغامرَ
لا الـمُقامرَ ...
هل فهِمْتَ؟
عليكَ أن تُصْغي إليّ الآنَ !
واحفَظْ ما أقولُ
احفَظْ
نعمْ
عن ظَهرِ قلبٍ ...
قُلْ  لأهلي: بين دجلةَ والفراتِ  ، هنالكَ اسمٌ واحدٌ
هو ما ظللتُ لأجْلهِ ، أبداً ، أغامرُ
هو أوّلُ الأسماءِ
آخرُها
وأعظمُهــــا ،
وما يصِلُ الحمادةَ بالسماءِ :
هو العراقُ الأوّلُ العربيّ ....

لندن 04.06.2012

الكلامُ الكريهُ

كيف تنسى المساءَ الخريفيّ في حانةِ " الأسدِ الأحمرِ " ؟
السنواتُ تمرُّ ، ورُبّتَما نسيَ المرءُ
( أفهمُ ذلكَ )
لكنّ ما قـلـتُـهُ ، يا رفيقيَ ، ذاكَ المساءَ الخريفيّ
أثقلُ من أن يقولَ امرؤٌ :
كدتُ أنساهُ
أو أتناســاهُ ...
في حانةِ " الأسدِ الأحمرِ " اللندنيةِ قلتُ :
العراقُ انتهى
منذُ أن قالَ أهلُ العراقِ ، لـ" جورج بوش " ...
أنتَ الوليُّ
وأنتَ الفقيه
وأنت النبيُّ المسلّحُ تأخذنا خارجَ التيه  ؛
أقدِمْ !
أقِـمْ !
فالنساءُ اللواتي انتظرْنَ طويلاً ،  سباياك
غلمانُنا لجنودِكَ ُ
والأرضُ لكْ
وما تكْنِزُ الأرضُ لكْ ...
والفراتان ماءٌ لخيلِكَ
والله لكْ !
هكذا لن يدورَ الفلَكْ ...
...............
...............
...............
يا رفيقَ الضنى !
اليومَ
مرّتْ على جلسةِ " الأسدِ الأحمرِ " اللندنيةِ ، عشْــرٌ ...
نعم !
هل تذكّرتَ ؟
لا !
هكذا لن يدورَ الفلَكْ !
هكذا ، سأظلُّ أقولُ :
العراقُ انتهى!

لندن 10.07.2012

حديقةُ الأميرة

أكنتُ أسيرُ في لاهاي ؟
..............
..............
..............
تأتي الأميرةُ من حديقتها :
صباحاً
صباح الخير أيتها الأميرةُ !
يا صباح الخير ...
هل أنتِ ساسْكِيا ، أم نَوارُ ؟
وهل لنهرِ  الفواغي منتهىً تحتَ الوشاحِ ؟
أُحِبُّكِ
التفِتي ، نوارُ ، إليّ ...
زوروني
وكوني
تماماً مثلَ ما تأتي الأميرةُ من حديقتِها
مســاءاً

دنهاخ 22.07.2012

الـقُـبْـلـــــــــةُ

في ليل لاهاي المبكِّرِ
قبلَ أن تمسي السماءُ سحابةً
قبّلتُ
عند الشارعِ الخلفيّ ، جِيدَ نوارَ
كانت لِصْقَ جذعٍ
هكذا استندَتْ
وقد غمغمتُ :
أيُّ العطرِ هذا يا نوارُ ؟
تقولُ ، والشَّعرُ الكثيثُ يلفُّني ، والعطرُ :
لا تسألْ !
أُغمغِمُ :

اتّرِكي الكلامَ  ...
أريدُ أن تتقطّرَ اللحَظاتُ
أن أرضى بأني كنتُ ، مجنوناً ، أقَبِّلُ جِيدَكِ
الشَّعرُ الكثيثُ يلفُّني
والعطرُ ...
.........
.........
.........
في مِثلِ الفُجاءةِ
والغباءِ
تحرّرتْ مني نوارُ ...
وأطلقتْ سيّارةً  للريحِ. ..
.........
.........
.........

كان الشارعُ الخلفيّ مختلفاً
وكنتُ أسيرُ عبرَ مدينةٍ أخرى !

لاهاي   24.07.2012

غفلةٌ

آهِ ...
لا بُدَّ
أنّ الذي يتراءى ، وما  لا ترى :
مطرٌ .
غيرَ أنكَ في ظُلمةٍ ، لا ترى .
أنتَ لستَ تُحِسُّ بما أرعشَ الشجرةْ
أنتَ لستَ تُحسُّ بما جعلَ الطيرَ يدخلُ  في الشجرةْ.
مطرٌ لا يُرى
مطرٌ قد أحَسَّ به الطيرُ قبلكَ
والشجرةْ .


مطرٌ سوف يهطلُ في الليلِ
تحتَ المخدةِ
أغزرَ ممّا دعا الطيرَ أن يحتمي بدمِ الشجرةْ
....................
....................
....................
وهاأنتذا
مثلَ أعمى
ترى!

أمستردام   11.08.2012

في المقهى مع قهوة سوداء بلا سُكّر

مَن كان يعرفُ أنّ عُمقَ البحرِ مرساتي التي انجرفَتْ ؟
أُفيقُ مُـدَوّخاً
لا تلكما العينانِ ثابتتانِ
لا الخُطُـواتُ تعرفُ أين تمضي ...
والسماءُ كثيفةٌ ،
مطرٌ
رصاصٌ باردٌ ،
شفتانِ يابستانِ .
أحياناً ، أفكِرُ أنّ أغنيتي الأثيرةَ :
أن أموتَ ...
كما يموتُ الطحلبُ البحريُّ ،
  أخضرَ ...
هل تظنّينَ الحياةَ كريمةً ؟
أعني :
أحقٌّ أن تُعاشَ ؟
لقد تعبْتُ ...
فأصدِقيني القولَ ، يا ميسون
أسْدي لي النصيحةَ :
هل أظلُّ مُرَنَّــحاً بين ارتساماتِ النبوّةِ والجنون ؟

أمستردام  14.08.2012

لقد ضاقتْ بنازلةٍ ذراعي !

" أقِلِّي قد أضاقَ بُكاكِ ذرعي    وما ضاقتْ بنازلةٍ ذراعي "
                                         أبو تمّام
لم تُعطِني مفتاحَ  شـقّتِها
و لا العنوانَ حتى ...
ربّما خوفاً ؟
تخافُ عليَّ  ...
أم منِّـي ؟
لقد خلّفتُ لندنَ  ، ثم باريسَ الضواحي
كي أُلامِسَ في يديها رقّةً نَـدُرَتْ
وكي أحظى بمرآها تهروِلُ نحو مَهوى الموجِ في بحر الشمالِ
وكي أقَبِّلَها ولو فوقَ الجبينِ ...
...............
...............
...............
تعبتُ منها ؛
من متاهتِها : الـمُطارِدِ والـمُطارَدِ ...
بل تعبتُ من الكلامِ
من المجاملة التي تَزِنُ الحروفَ كأنّها ذهبٌ !
ومن سفَري تعبتُ
من المساءِ تعبتُ
من نفسي تعبْتُ !

لندن 25.08.2012

شمسٌ ساطعةٌ في أوائل أيلول

القطارُ يمرُّ على الجسرِ
عبْرَ القناةِ العريضةِ ...
هذا القطارُ المجلجِلُ يمضي إلى حيثُ لا أعلَمُ .
الصبحُ يُشْمِسُ
أينَ القطارُ المُدَرَّعُ ؟
أين البلاشفةُ الحالمون مع الصبحِ ؟
أين البلاشفةُ الحاملون مع الصبحِ  راياتِنا الحمرَ
فوقَ القطارِ المدَرَّعِ ؟
..............
..............
..............
كان القطارُ يمرُّ على الجسرِ
عبرَ القناةِ العريضةِ.
ينتصفُ اليومُ :
الساعة 12
حانَ موعدُ كأسِ الجــعةْ

لندن 04.09.2012

إحدى وعشرون  إطلاقةً متأخرةً لأدريان ريتش

سنواتٌ عشرٌ عجاف

نعم يا عزيزتي أدريان ريتش .

  Brera Café
نعم يا عزيزتي ، المقهى إيّاه حيث اعتدتُ أن ألقى أناساً قد لا يكونون أحبّةً ، لكني ألتقيهم على أي حال ، ليكونوا أحبّةً مع أنفسهم في الأقل .
في مقهى بريرا التقيتُكِ.
كنتِ أكرمَ من رأيتُ في هذا البلد الأمين.
أهديتِ لي كتابكِ
متضامنةً.
كان  احتلالُ بلدي وشيكاً .
لكنكِ ملاكُ الحريّة . تضامنتِ معي ، يا أدريان ريتش ، بينما أبناءُ بلدي هنا ، في لندن ، وهناك في الأرض الأخرى ، كانوا مولعين بشتمي لأني ضد احتلال بلدي من جانب الإدارة الأميركية . هم لايزالون يشتمونني يا أدريان ريتش لأني ضد الاحتلال . ومن بين هؤلاء رفاقٌ لي لم يُسَمـوا الاحتلال احتلالاً حتى الآن.
ماذا أقول؟
القهوة التي شربناها كانت مُرّةً .
القهوة ، قهوتنا ، نحن المارقين ، ستظلّ مُرّةً .
تذكّرتِ كولونتاي التي نفاها ستالين إلى سيبريا.
أنا الآن في المنفى.
أتعرفين يا أدريان  ريتش أن لي في المنفى قرابة أربعين عاماً ؟
رقمٌ قياسيّ ؟
سارة ماغواير كانت معنا في المقهى.
كانت شاعرةً . هي الآن تشتغل في جامعة ذات سمعة . جامعة مثل جورج واشنطن التي تعرفينها جيداً .
عزيزتي أدريان ريتش
كنتِ في الحادية والعشرين حين اختاركِ أودن العظيم ، لجائزة الشعراء الشباب ، في جامعة ييل . بل أن الرجل كتبَ مقدمة ديوانكِ الأول !
لستُ أستعيدُكِ يا أدريان  ...
أنا أغنّيكِ
أغنّيكِ أيتها المرأةُ التي حرّرتْني من تفاهة الرجولة الرجولة .
سيظل طعمُ القهوة المُرّة في فمي.
طعمُ القهوة المـرّة سيظلّ في دمي .

لندن 07.09.2012

زمنٌ أميركيٌّ شــماليٌّ
قصيدة لأدريان ريتش  1929 16 أيّار- 29 آذار 2012

ترجمة سعدي يوسف

1
آنَ شرعتْ أحلامي تتبدّى
صحيحةً سياسيّاً
لا صوَراً مضطربةً
تَمْرُقُ عبرَ الحدود .
آنَ شرعتُ أمشي في الشارعِ
فأجد موضوعاتي جاهزةً لي
عارفةً ما لن أتحدثَ عنه
خوفَ أن يستخدمه الأعداءُ
بدأتُ أستغربُ .

2
كل ما نكتبه
سوف يُستعمَلُ ضدّنا
أو ضدّ مَن نحبُّ .
ها هي ذي الشروط ،
خذْها أو دعْها .
الشِّعرُ لا يَحتمِلُ إلاّ أن يكون خارج التاريخ.
بيتٌ مطبوعٌ قبل عشرين عاماً
سوف يتّقدُ على الجدار بالصبغ المرشوش
ليمجِّدَ الفنَّ سُمُوّاً
أو عذاباً لأولئك الذين لا نحبُّ
ولا نريدُ أن نقتلهم أيضاً.

نحن نمضي  لكن كلماتنا تظلُّ
وتغدو مسؤولةً
أكثرَ ممّا قصَدْنا .

إن هذا لامتيازٌ في الكلام.

3
جرِّبي أن تجلسي إلى آلةٍ كاتبةٍ
في أصيلٍ صيفيٍّ هادىء
إزاءَ طاولةٍ عند النافذة
في الريف ، جرِّبي التظاهرَ
بأن زمنكِ غير موجود
وأنكِ ، ببساطةٍ ، أنتِ
و الخيال يشطحُ مثل فراشةٍ هائلةٍ ، بلا مقصدٍ
جرِّبي أن تقولي لنفسكِ
إنكِ لستِ محاسَبةً
عن حياة قبيلتكِ
أو أنفاسِ كوكبكِ .

4
لا يهمُّ بماذا تفكّرين
الكلماتُ توجَدُ مسؤولةً.
كلُ ما تستطعينه هو أن تختاريها
أو أن تختاري الصمتَ . أو أن ليس لكِ من خيارٍ آخر.
لهذا تكون الكلماتُ التي نختارُ
مسؤولةً .

إن هذا لامتيازٌ في الكلام .

5
افترضي أنكِ ستكتبين
عن امرأةٍ تضفِرُ شَعرَ امرأةٍ أخرى –
مُسَرَّحاً إلى أسفل ، أو بقواقعَ وخرَزٍ
في ضفائرَ ثلاثٍ مسترسلةٍ
أو في سنابل  صفيفةٍ –
فإن عليكِ أن تعرفي الكثاثةَ
الطول  النوع
لماذا تقرِّرُ أن تصففَ شَعرَها
وكيفَ كانَ
في أي بلدٍ
وماذا جرى أيضاً في ذاك البلد.

عليكِ أن تعرفي هذه الأشياء .

6
يا شقيقتي ، الشاعرة : الكلماتُ
أحببناها أو لم نُحببْها -  تَشْخَصُ في زمنٍ لها.
لا جدوى من الاحتجاج    كنتُ كتبتُ ذلك
قبلً أن تُنفى كولونتاي
قبلَ أن يتمّ اغتيالُ روزا لكسمبورغ ، مالكولْم
أنّا ماي أكواش
قبل تريبلينكا ، بركناو
هيروشيما ، قبل شارلفيل
بيافرا ، بنغلادش ، بوسطن
أتلانتا ، سويتو ، بيروت ، آسام
تلك الوجوه ، الأسماء والأماكن
جُزّت’ من المفكّرة
في الزمن الأميركيّ الشماليّ.
______
الكسندرا كولونتاي 1872-1952 شخصية حكومية هامة في الفترة المبكرة للسلطة السوفييتية . نفاها ستالين إلى سيبريا.
مالكولم أكس1925-1965  مسلم أميركي أسود اغتيل في21 شباط 1965 . روزا  لكسمبورغ  ثورية ماركسية ومنظِّرة
                1871-1919 ، ومن مؤسسي الحزب الشيوعي الألماني.قتلها الجنود البروسيون في   .1919
أنا ماي أكواش : شابّةٌ مدافعة عن الهنود الأميركيين ، قُتلت بطلقة في مؤخرة الرأس ، في العام 1967
أوشويتز – بركناو  ، بلدة صغيرة في وسط بولندا . في المعسكر هناك قُتِل مليونان من اليهود والبولنديين على أيدي النازيين.
شارلفيل ، بلدة في جنوب إفريقيا قرب جوهانسبرغ . في 1960  . قتلت الشرطة العنصرية 70 متظاهراً . هيروشيما مدينة يابانية دمّرها
الأميركيون بقنبلة نووية  في آب 1945.
اضطرابات حول الحافلات المختلطة حدثت في بوسطن أواسط السبعينيات. جمهورية بيافرا أعلنت في 30 أيار 1967 حركة تقسيمية راح ضحيتها
مئات الآلاف. بنغلادش كانت في شرق باكستان حتى1971 . كلّف استقلالها عن باكستان 3 ملايين قتيل.
أسام ولاية في شمالي غرب الهند . حدثت فيها اضطرابات دموية بين الهندوس وأهل آسام في 1959-.1960

7
أنا أفكرُ بهذا  في بلدٍ
تُسرَقُ الكلماتُ فيه من الأفواه
كما يُسرَقُ الخبزُ من الأفواه
في بلدٍ حيثُ الشعراءُ  لا يذهبون إلى السجن لأنهم شعراء
بل لأنهم داكنو الوجوه ، نساء ، فقراء.
أنا أكتبُ هذا في زمنٍ
يمكنُ فيه أن يُستخدَم كلُ ما نكتبُ
ضد مَن نحبُّ.
حيث لا سياقَ
مع أننا نحاولُ أن نشرحَ ، مراراً وتكراراً
من أجل الشِعر في الأقل
عليّ أن أعرفَ هذه الأشياء .

8
أحياناً، وأنا أنزلقُ ، ليلاً ،
في طائرةٍ على نيويورك

أشعرُ كأنّ أحداً
يدعوني إلى مناجزة هذه الساحة من ضوء وعتمة.
فكرةٌ رائعةٌ
ولّدَها الطيَرانُ.
لكنْ تحت الفكرة الرائعة
فكرةُ أن ما كان عليّ أن أناجزَه قد ارتطمَ بالأرض المبلّطة
لقد صعدتُ درْجاتي العتيقة
وجلستُ عند نافذتي العتيقة .
وهاأنذا أنكسرُ ، وأخلُدُ إلى الصمت.

9
في أميركا الشمالية ، يتعثّرُ الزمنُ
إنه لا يتحركُ
إنه يُطْلِقُ ، فقط ،  ألَماً أميركيّاً شماليّاً.
جوليا دي بورغوس كتبتْ :
أحزنُ لأن جَدّي كان عبداً ؛
لكني سأشعرُ بالعار لو كان سيّداً.
كلماتُ شاعرةٍ
عُلِقَتْ على بابٍ
في أميركا الشمالية ، في العام
1983.
القمر شبه المكتمل يطْـلُـعُ
ناطقاً أبديّاً للتغيير
خارج البرونكسْ
خارج نهر هارلم
خارج مدن الكوابين الغارقة
خارج المدافن المستباحة
والمـَناقع المسمومة ، وميادين التجارب على الأسلحة .

أعودُ إلى الكلام .

1983
-----
جوليا دي بورغوس شاعرة وثورية من بورتو ريكو (1917-53 ) ماتت في شوارع مدينة نيويورك.
مدن الكوابين : خمس بلدات أُغرِقَتْ عند إنشاء سد في غربيّ ماساشوستس في 1937

إلى سعدي يوسف
مع المودّة
والتضامُن
ولْنلتقِ ثانيةً.
أدريان ريتش

لندن 16 أيّار 2002

ثلاث قصائد سُحاقـيّـــة

أدْرِيان رِيتشْ 
Adrienne Rich

ترجمة : سعدي يوسف

*
القصيدة الأولى
“على العموم فضّلت ريتش أن تجعل للقصائد السحاقية هذه ،  أرقاماً لا عناوين "

نائمتين
مثل أجرامٍ سماويّةٍ
تدور في  مرْج منتصف الليل :
لمسةٌ واحدةٌ تكفينا لنعرفَ
أننا لسنا وحيدتَينِ في الكون ، حتى في المنام :
تهاويلُ أحلامِ عالمَينِ
يرودانِ  تهاويلَ بلداتهما ، كأنهما تتخاطبان.
لكنّ لنا صوتينِ مختلفَينِ  ، حتى في المنام.
وجسدانا ، متماثلان  ، لكنهما مختلفان
والماضي الذي يئزّ في عروقنا
محمّلٌ بلغةٍ مختلفةٍ ، بمعانٍ مختلفةٍ –
مع أن أيّ سجلٍّ للعالَم الذي نقتسمه
سيُكتَب  بمعنىً جديدٍ
نحن كنا عاشقينِ من جنسٍ واحدٍ
كنا امرأتَينِ من جيلٍ واحدٍ .

القصيدة الثانية

مهما حدثَ لنا ،
سيظلّ جسدُكِ يسكنُ جسدي – رخيّاً ، رقيقاً
وفِعْلُكِ الحـُبَّ  ، كالسعفةِ نصف المقوّسة
لسرخُسِ الغابةِ
الغسيلةِ توّاً بالشمسِ .
فخذاكِ المترحلتان ، السخيّتان
اللتان جعلتُ وجهي كلّه، بينهما ، مِراراً _
بَراءةُ وحكمةُ المكانِ الذي وجده لساني هناك –
الرقصةُ العنفوانُ العطشى ، لحلمتَيكِ في فمي –
لَـمْستُكِ عليّ ، قويّةً ، حاميةً ، تستخرجُني
لسانُكِ القويّ ، وأناملُكِ الرقيقةُ
تبلغُ ما كنتُ أنتظرهُ منكِ ، سنينَ ، في كهفي الرطب مثل وردةٍ
ولْيكُنْ ما يكون .

القصيدة الثالثة

لو استلقيتُ معكِ على ذلك الشاطيء
أبيضَ ، خالياً ، ذا ماءٍ أخضرَ ، صافٍ،  دفّأهُ تيّارُ الخليجِ
لو استلقَينا على ذلك الساحل فلن نستطيع المكثَ
لأن الريح تدفع رملاً ناعماً علينا
كأننا ضدّها
أو كأنها ضدّنا
لو حاولْنا  العنادَ وأخفقْنا –
لو ذهبنا بالسيارة إلى مكانٍ آخر
لننام بين ذراعَي بعضنا
وكان السريران ضيِّقَينِ مثل مَهاجع السجناءِ
وكنا متعبتَين ، فلم ننمْ معاً
هذا ما وجدناه ، وهذا ما فعلناه –
أكان ذلك ذنْـبَنا ؟
إنْ تشبثتُ بالظروف فبإمكاني الشعورُ بانني لستُ مسؤولةً.
فقط ، تلك التي تقول إنها لم تخترْ
هي الخاسرة في نهاية الأمر .

رَبِّ هَـبْني جناحَكَ

يا أيّـها الوزُّ المهاجرُ للجنوبِ ،
لأيّ حُلْمٍ أنتَ تمضي ؟
ربّما أضناكَ هذا القَرُّ ، مثلي ، في متاهاتِ الشمالِ البربريّ
وفي صحارى الماءِ والغاباتِ
أعرفُ ، أيّها الوزُّ المـُهاجرُ ، أنّ في دمنا حنيناً سائلاً
أنّ الفضاءَ يضيقُ إنْ لم ينتفضْ ريشُ الجناحِ
وأنّ ما نعتادُهُ سيكون مَقتلَنا ...
وأعرفُ أننا ، يا أيّها الوزُّ المُـهاجرُ ، قد نموتُ بطلْقةٍ عمياءَ
لكنْ ، يا طليقَ الروحِ،  ليس لنا سوى أن نهتدي بالنجمِ والأنواءِ
ليس لنا سوى الحـُلمِ الذي قد لايكونُ الـحُلمَ ...
مَن يدري ؟
لقد ضاقَ الفضاءُ
وضاقت الدنيا بما رَحُبَتْ ...
سلاماً أيها الوزُّ المهاجرُ !
كم نبيٍّ ، قبلنا ، قد حاورَ المسعى !
سلاماً ...

24.09.2012
 
ليليّــةٌ    Nocturne

أمضَيتُ ليلي أسمعُ المطرَ . المياهُ تدقُّ ألواحَ الزجاجِ . تكادُ تدخلُ . آهِ لو دخلتْ !
لقد غرقتْ شُجيراتُ الحديقةِ . والسناجبُ تختفي في الليل .ثَمَّ عواءُ ذئبٍ ! ربما ...
لو كنتِ عندي لاكتفَيتُ بما تجودينَ : الدعابةِ والأغاني و الطفولةِ في الجنوبِ.
فكيفَ أُمضي الليلَ ؟ أدري أنّ ألواحَ الزجاجِ ثخينةٌ . لن يدخلَ المطرُ المزمجر ُ؛
غيرَ أنكِ تدخلين !
*
والريحُ ؟ كنتُ أرى الصنوبرَ مائلاً ، والكستناءَ الدّوحَ يَهدُرُ ، والسياجَ يكادُ يئنُّ.
يا ما طوّحتْ بي الريحُ ! يا ما ورّطتْني في معاركَ لا أرى أفُقاً بها .يا ما انجرفتُ لأنني
أهوى هواءَ الإنجراف ! الآنَ أشعرُ أن عُقدةَ محبِسي أمستْ تضيقُ ، وأن هذي الغرفةَ
العليا بلندنَ ... طوفيَ المفتوحُ . هُبّي يا رياحُ ، وطَوِّحي بي في مهَبِّ البحرِ ...
حيثُ الإنجراف !
*
مَن يوقدُ النيرانَ في الليلِ ؟ النثيثُ ووافدُ الطّلِّ استباحا نارَ حطّابينَ مرتــعِدينَ برداً .
لم يَعُدْ في الغابةِ السوداءِ حطّابونَ . لكني أرى النيرانَ تتّقدُ ! الظلامُ الـمُطْبِقُ انكسرَ.
الحديقةُ أقبلَتْ . من أين تلكَ النارُ ؟ أهيَ قواربُ السكنى؟ اليراعاتُ المضيئةُ ؟ أهْـيَ
ما أذكتْ قِلادتُكِ الطويلةُ مثلَ جِيدِكِ ؟ لستُ أهذي ... أنتِ واقفةٌ هنالك في الحديقةِ.
أنتِ ناري !
*
قد كنتُ ألتهمُ الترابَ . الطفلُ يلتهمُ الترابَ . ملاعقٌ ذهبٌ ترابُكَ أيها الطفلُ الفقيرُ.
فما تقولُ الآنَ ؟
أنتَ هنا ، كأنك لم تغادرْ أغنياتِ أبي الخصيبِ !
ترابُكَ الـتِـبْـرُ الـمُـعَـفّـرُ بالروائحِ من أعالي النخلِ ، والسمكِ الـمُـهاجرِ
في الربيعِ. أتبصرُ الفجرَ ؟ انتبِهْ !
هي ساحةُ المبنى وقد غُسِلَت ، طويلاً ، بالنثيثِ ووافدِ الطلِّ  .المماشي لا ترابَ بها ...
وداعاً !

لندن 17.10.2012

غرفة الاستقبال

قالت : سأنام هنا ، في هذي الغرفةِ ...
( كانت عائدةً من سفرٍ لتظلَّ معي أيّاماً )
قلتُ لها : البيتُ لكِ
اختارِي أيَّ مكانٍ منه مبيتاً .
قالت : لن تزعلَ مني ؟
قلتُ : وهل أنا إلاّ أنتِ ؟
        البيتُ صغيرٌ
         والغرفةُ صُغرى ، لكنكِ سوف تنامين وأحلامَكِ
          سوف تنامين وأحلامي ؛
          سننامُ معاً ، معتنقَينِ ، وإنْ كنّا في غُرُفاتٍ مختلفاتٍ !
................
................
................
كانت تلك الليلةُ باردةً
والثلجُ نديفٌ يتألّقُ بلّوراً فسفوريّاً في الأشجارِ.
دخلتُ إلى الغرفةِ حيث تنامُ ، مُنَعّمةً كالطفلِ
وألقَيتُ عليها مُطْرَفَ صوفٍ من مرّاكشَ  ...
لم تتحرّكْ
لكنّ الوجنةَ صارت تتورّدُ .
كنتُ سعيداً .

لندن 18.10.2012

مطار هيثرو – المحطة الخامسة
Heathrow Airport – Terminal 5

لقد كان ذاك الصباحُ المـبكِّرُ محتدِماً :
هي راحلةٌ نحو عاصمةٍ عند بحرِ الشمالِ
وأنا ، الـغِـرَّ ، أدخلُ شيئاً فشيئاً ، إلى عُمْقِ قوقعتي ...
مطرٌ ورياحٌ ترافقُنا .
كان سائقُ سيّارةِ الأجرةِ ، الجهمُ ، ممتقعاً
( هوَ من أسفلِ الهندِ )
كاد الطريقُ يغيبُ ...
*
لم أعرفْ لماذا الصمتُ ؟
لم تنطقْ .
ولم أنطقْ ...
كأني لستُ أقدرُ أن أُوَدِّعَها .
*
لقد  أفنَيتُ عُمري في الطريقِ إلى المطاراتِ العجيبةِ
غير أني الآنَ أفقدُ أيَّ  إحساسٍ  ؛
وأيّةَ وجهةٍ  ...
والسائقُ الهنديُّ يمضي .
أين يمضي بي؟
بها ؟
*
كان الطريقُ يغيمُ
كان يغيبُ ...
قالت لي صديقتيَ التي  ستكونُ في بيتٍ على بحر الشمالِ :
أراكَ تبكي !

لندن 21.10.2012

شُجيرة الرند

شجيرةُ الرندِ في أقصى الحديقةِ مأوىً للندى وحَمامِ الدغْلِ .
كنتُ أرى ، من حولِها ، قططاً مثلَ النمورِ ، أرى مِن حولها
ريشَ عصفورٍ تناثرَ. شيئاً من بقايا صيوفٍ : علبةً فرِغَتْ من
بيرةٍ . سِيخَ مَشْوىً . فحمةً ...
وأرى شُجيرةَ الرندِ
بيتاً أستكنُّ له في الحلمِ ؛
بيتاً ، له ، أبداً ، بابً ومئذنةٌ ، ونَمْرَقٌ .
قد تضيقُ الأرضُ بي
حسناً
لقد ألِفْتُ مقامً الضِيقِ !
غير أنّ فتىً ، مثلي ، له خيطُ مَنْجاةٍ
له شَـبَـهٌ :
شُجيرةُ الرندِ في أقصى الحديقةِ ...

لندن 30.10.2012

الشتاءُ يختلفُ

منذُ عامَينِ لم يدخل الوردُ بيتي ، لتأتلقَ المائدةْ
لم أضعْ شمعةً للعشاءِ  تضيءُ النبيذَ
ووجهَ التي أستلذُّ ابتسامتَها وهي تبدأُ من لمعةِ العينِ  ...
عامانِ مَـرّا
ولم أسترِحْ في مدارٍ
ولا في سِفارٍ ،
ولم أستسِغْ أن أقولَ لكأسٍ : سأشربُ حتى الثمالةِ .
حتى الهواءُ الذي أتنفّسُ قد صارَ مُـرّاً .
فهل وهنَ العظمُ مني ؟
هل اشتعلَ الرأسُ شَيباً ...
................
................
................
أفِقْ يا بُـنَـيّ !
أفِقْ
واستَرِدَّ  التي  لن تغادرَ ، عبرَ السنين العجيباتِ :
تلكَ الحماقةَ ...
قُمْ  ، هاتِ وردَكَ !
أوقِدْ  شموعكَ ...
ولْـتُرْهِفِ السمعَ  :
ها هي ذي مَن تُحِبُّ تدقُّ  على الباب  !

لندن 05.11.2012

حمدان الســاحر

حمدانُ الساحرُ ، أجملُ مَن غنّى أغنيةً ما بين النهرَينِ
وحمدان الساحرُ ( لا أحدٌ )
سَمّى حمدانَ الساحرَ  ، حمدانَ الساحرْ !
ولهذا سيكونُ لـهُ ، ما كانَ لـهُ :
دشداشتُه السوداءُ
وأغنيةُ الطرُقاتِ ...
وحمدانُ الساحرُ كان جميلاً
كانت دشداشتُهُ السوداءُ تَرِفُّ  على الدربِ الـمُـترِبِ بيضاءَ
ترِفُّ على الدربِ الـمُـتْرِب غصناً ذهباً
وبَخوراً ؛
وتقول:
مرْكَبْ هوانا
من البصرةْ جانا ...
حمدانُ الساحرُ
يمضي في الطرُقاتِ ،  خفيفاً ، أبداً
( يشبه حمدانَ الساحر )
أمّا نحن الأوباش
فلن نذكرَ من حمدانَ الساحرِ
إلاّ دشداشتَه  ...
سوداء !

لندن  09.11.2012

وَعْدُ الله

( هو وعد الله يحــيى  النجّار )

في " نُقرةِ السلمانِ " كان الماءُ يأتي بالصهاريجِ الصديئةِ ، عبرَ باديةِ السماوةِ
( نحن كنّا ،  آنَها ، سجناءَ )
كانت " نقرةُ السلمانِ " مأوىً للذئابِ وللشيوعيّينَ
أعلاها ،وأعلى العرشَ ، والجيشَ ، انجليزيٌّ
وقالَ : هنا يموتُ الرِّفْقةُ السجناءُ من ظمأٍ  ...
وقد ماتوا
بمذأبةِ الهروبِ ...
لقد ماتوا ، ولم يذكرهمو أحدٌ
رفاقٌ جذوةٌ ، ماتوا ، ولم يذكرهمو أحدٌ
ولكني سأذكرُ واحداً
إني سأذكرُ  ، في الشتاءِ اللندنيّ الـمُرِّ ، وعدَ الله !
وعدُ الله كان فتىً
فتى الفتيانِ كانَ ... أتتْ به الريحُ الذميمةُ من خريفِ الـمَوصلِ
المحكومُ بالإعدام  ، وعدُ الله ،  كان مكلَّفاً أمرَ السقايةِ
كان ، مثل الربِّ ، يأتينا بماءِ مستساغٍ من صهاريجِ الحكومةِ  ...
كان أصغرَ من شيوعيٍّ
وأكبرَ من شيوعيّي تَبارَكَ . قد سمِعْ
قد كان " وعدُ الله " وعدَ الـحقِّ  ...
..................
.................
.................
وعدُ الله ، في الفجر البهيمِ ، مضَوا  بهِ
من نقرة السلمانِ
مخترقين باديةَ السماوةِ
خِلْسةً  :

شنقوه في بغداد !

لندن 14.11.2012

غــزّةُ هاشــم

أتظلُّ  ، غزّةُ هاشمٍ ، كالوحيِ ، غزّةَ هاشمٍ ؟
ستظلُّ !
أعرفُ أنّ صاروخَ القيامةِ سوف يُطْلَقُ ...
سوف نسمعُ في المخابيء ، صوتَـه ، إذ يقطعُ الأنفاسَ
سوف نقولُ :
نحنُ  ، بقيّةُ السيفِ  ...
العلامةُ نحنُ
والرؤيا .
وغزّةُ هاشمٍ ، ستظلُّ ، مثل الوحيِ ، غزّةَ هاشمٍ
يا رِفقتي في الرملةِ البيضاءِ
في الشققِ المهدّدةِ
الـمَشافي ، حيث يُحتضَرُ المصابونَ
الشوارعِ وهي مقفرةٌ  ،
سلاماً  ...

لندن  17.11.2012

سأظلُّ مشتاقاً

سأظلُّ مشتاقاً إليكِ ، وأنتِ في المقهى معي تتمطّقينَ  الشايَ
رافضةً نبيذي .
سأظلُّ  مشتاقاً إليكِ وأنتِ سارحةٌ مع الحاسوبِ بعد رسالتي ...
سأظلُّ مشتاقاً إليكِ وأنتِ هابطةٌ من المترو.
سأظلُّ مشتاقاً إليكِ وأنتِ في هيثرو ...
سأظلُّ مشتاقاً إليكِ  وأنتِ حائرةٌ بشَعرِكِ  : كيف ينشَفُ بغتةً .
سأظلُّ مشتاقاً وأنتِ بعيدةٌ
سأظلُّ مشتاقاً وأنتِ قريبةٌ
سأظلُّ مشتاقاً إليكِ وأنتِ في حِضني
سأظلُّ مشتاقاً وأنتِ معي على متنِ الفراشِ ...
أظلُّ مشتاقاً إليكِ  ، ونحنُ في عمليّةِ الحبِّ ...

لندن 18.11.2012

  المدينة المـُُحرّمة

مُتمتِمةً عبرَ العناكبِ  ، حُرّةً ، وخجلى  ، تناديني :
أكونُ عشيّةً هناكَ
فلا تهتِفْ !
مدينةُ أولادي هناكَ
فلا تجيءْ إليّ  ...
 ولا تهتِفْ !
ألا لا ، ألا إلاّ ، ألا لا ، ألا ألا ...
ألا إن مَن أهوى هناكَ ...
تقولُ لي :
مدينةُ أولادي !
ومَنْ قالَ  إنها مُحرَّمةٌ تلك المدينةُ ؟
سوف آخذُ القطارَ إليها ...
لا تخافي !
سأكتفي بكأسِ نبيذٍ في المحطّةِ  .
إنني أُحبُّكِ ...

لندن  23.11.2012

ما نسجَ العنكبوتُ

أنا أجلسُ عند الشبّاكِ المفتوحِ قليلاً
لأدخِّنَ ...
أعتمت الدنيا (كنّا في السادسةِ ) .
صدَقَ العرّافونَ :
المطرُ الصامتُ ينهمرُ.
لكني أسمعُ ...
ماذا ؟
أغصاناً تتقصّفُ ؟
ممشى غزلانِ الغابةِ ؟
خرخشةً لثعالبَ ؟
أهوَ الوبْلُ المتدافعُ في الريحِ الليليّةِ ؟
أجلسُ عند الشبّاكِ المفتوحِ قليلاً  ...
أشهَدُ معجزةً :
كان الوشَعُ اللامرئيُّ ، الـمُرخى بزجاج الشبّاكِ ، يشِعُّ
الوشَعُ اللامرئيُّ يشِعُّ ، متيناً ، بلّوراً ...
أيُّ عناكبَ ظلّتْ تنسجُ هذا البلّورَ ؟
لأيّ نبيٍّ كانت تنسجُ هذا البلّورَ  ؟
...............
...............
...............
أنا أجلسُ عند الشبّاكِ المفتوحِ قليلاً
لأُدَخِّنَ .

لندن 25.11.2012

تمـتـمـةُ الشتـاء

هل يهبطُ الليلُ الطويلُ ، عليَّ ، أطولَ ؟
بعدَ أن رحلتْ ؟
لقد طارت إلى أقصى الشمالِ
هنالكَ
حيثُ قريتُها ،
وحيثُ يئنُّ صيّادون قد هبطوا مع الأسماكِ حتى القاعِ
وانتظروا القيامةَ ...
ربّما قالتْ : سيذكرُني !
ورُبّـتَما انتهتْ من وحشةِ الممشى على القنَواتِ
أو في غابةِ الكافورِ ...
لم تأتِ الغزالةُ ، بَعْدُ ، خلفَ الحاجزِ الخشبِ
السناجبُ تختفي
والخضرةُ الـمُثلى
ويهجرُني حَمامُ الدّغْلِ .
...................
...................
...................
لن أمضي إلى أقصى الشمالِ
ولن
ولن
فلْيهبطِ الليلُ الطويل !

لندن 09.12.2012

ليس على العاشقة حرَجٌ

قالت ( وكان الصوتُ عبرَ الهاتفِ المحمولِ مرتجفاً ) :
أريدُكَ أن تجيبَ صراحةً !
ما الأمرُ ؟
قالتْ : إن أتيتُ إليكَ ...
إنْ يـمّـمْتُ بيتَكَ في الضواحي ذاتَ يومٍ
أو مساءٍ غامضِ الأغصانِ مثلكَ ،
هل تنامُ معي؟
أقولُ : سيّدتي الجميلةَ
لن أكونَ مؤدَّباً إن قلتُ : لا !
مَن يرفضُ الوردَ الـمُـفَـتّـحَ ؟
مَن يقولُ لِـمُزْنةٍ هطلتْ : كفى !
مَنْ يمنعُ الغِزلانَ ؟
والماعونَ ...
مَن لا يفرشُ الريحانَ تحتَ المرمرِ العاري؟
أريدُكِ
هكذا ...
لا تسألي ، أرجوكِ ، ثانيةً  ؛
تعالي!

لندن 09.12.2012

الجميلةُ والإخطبوط

 قد تعَرَّفْتُ  ، يوماً ، بلاهاي  ... فاتنةً تعشقُ الإخطبوط
لا لتأكلَهُ
مثلَ ما يفعلُ الناسُ في بحرِ إيجةَ ،
لكنْ ليأكلَها الإخطبوط !
*
وهيَ  ، كلَ صباحٍ تُطَرّي محاسنَها
وتُمَسَِّدُ جبهتَها من تجاعيدَ ليستْ تُرى ،
ثم تختارُ ثوباً يليقُ
وتمضي إلى مكتبٍ باردٍ
متلهِّفةً
وهي تنتظرُ اللحظةَ الذهبيّةَ
لحظةَ يفتضُّ جَرَّتَها العسلَ  ... الإخطبوط !

لندن 12.12.2012

الشيخُ الأخضرُ

في بار " الشيخِ الأخضرِ "
أي في :
Ald Greene Mann
( إنجليزيةٌ من زمانٍ قبل سيّدنا شكسبير )
في هذا البار الماثلِ بين تقاطُعِ نورث وود و هَيرفيلد )
Northwood and Harefield
أجلسُ ( أحياناً ) مع أندريا ...
نتحدّثُ
أو نتناولُ كأساً .
ثم نغادرُ :
كلٌّ يمضي نحوَ الزنزانةِ تلكَ ... البيتِ الشخصيّ ؛
لم يكن الأمرُ  ، كما أبْسِطُهُ لكَ ، أو لكِ  ، هذا اليومَ ؛
لقد كنا عشّاقاً !
ولقد طوّفْنا العالَمَ ، حُرّينِ ، شيوعيّينِ ،
 نغنّي ،
 ونناضلُ
لكنّا في الليلِ ، نكون على الفَرْشةِ ، بوهيميّينِ .
*
أندريا هجرتْني
وأنا أمسيتُ ، سعيداً ، بين ذراعَي أُخرى .
عجباً !
لِمَ أحكي لكَ ؟
بل أنا لا أعرفُكَ  ...
فلماذا أحكي لكَ ؟
*

قالوا : حسناً !
حسناً ...
كانت أندريا شاحبةً ، وهي تواجهُني عبر المائدةِ.
الجوعُ ؟
أكيداً ...
كنتُ أُمازحُها دوماً  ، وأقولُ : كأنكِ ذئبٌ يتضوّرُ جوعاً !
لكن شحوبَ الجلسةِ هذي ما كان شحوبَ الجوعِ .
لقد كانت تعرفُ أني سأسافرُ
تعرفُ أني سأسافرُ نحو بلادٍ أخرى
نحو امرأةٍ أخرى ...
.....................
.....................
.....................
كان نبيذُ الشيلي الأحمرُ مُرّاً .

لندن 12.12.2012

نفسٌ مُطـمـئـنّـةٌ

تسمعُ الريحَ؟
هل تسمعُ الريحَ ؟
هل تسمعُ الريحَ تَجْأرُ ؟
هل تسمعُ الريحَ تجأرُ بين الصنوبرِ والسنديانِ ؟
لقد بدأ التلُّ يبدو لعينيكَ أبعدَ
أجردَ ،
ما عدتَ من مطرٍ صائتٍ تَـتَـبَـيّـنُـهُ
أنتَ تبحثُ عن ذلكَ التلِّ
والتلُّ ذكرى من الصيفِ ،
ذكرى تسَـلُّـقِـهِ مع مَن كنتَ تهوى
( أكانت تُـغَـنّي ؟ )
الكنيسةُ في القاعِ
والعوسجُ المتناثرُ في القمّـةِ ...
القلبُ ينبضُ ،
تسمعُ ناقوسَ تلكَ الكنيسةِ كالصنجِ
قلبُكَ ينبضُ كالصنجِ .
أنت وراء الزجاجِ
فهل تسمعُ الريحَ؟
................
................
نبْضُكَ يخفتُ حتى كأنك أغمضتَ عينيكَ
مستسلماً للطبيعةِ ،
منتظِراً أن تموت ...

لندن   14.12.2012

محاولةُ تثبيتٍ

أوراقٌ باقيةٌ في الغصنِ العاري
تخفقُ مثل عصافيرَ من المعْدِنِ ،
حولي :
زمنٌ رطْبٌ
وضُحىً أبيضُ
عشبٌ أبيضُ
حتى لكأنّ مياهاً ثابتةً تكســو الغابةَ والأفقَ الأبعدَ.
لا ريحَ
ولا نسمةَ
لا نأمةَ ...
هل ينفجرُ الكونُ إذا انطلقتْ صيحةُ طيرٍ ؟
هل أتحسّسُ صُدغي  ...

لندن 19.12.2012

المرفأ

غسَقٌ ،
ساحةُ الحيّ مقفرةٌ
غير أنّ المطرْ
والمصابيحَ
مدّتْ شــآبيبَ ، ساطعةً ، تتوازى
على الساحةِ المقفرةْ .
مرفأٌ يولَدُ الآنَ ...
...............
...............
...............
هل حانَ وقتُ السفرْ ؟

لندن 19.12.2012

الشيوعيّ الأخيرُ يَـتـمازَحُ

كان الشيوعيُّ الأخيرُ ، مُوَلَّـهاً !
أمضى ثلاثةَ أشهُرٍ
ما بينَ قريتِهِ بلندنَ ، والضواحي من أمستردامَ ...
وهو يُطاردُ الغزلانَ ؛
كان يظنُّ أنّ الـحُبَّ يأتي من سماءِ الصيفِ  !
كم هوَ ساذَجٌ !
كم من قطارٍ فاتهُ في الإنتظارِ
وكم قوافلَ أو جآذرَ غادرتْ حتى اختفتْ في الرملِ
أو عند الشــواطيءِ ...
قلتُ :
صبراً ، يا رفيقي
أيُّها الـمُـسْـمى شيوعيّاً أخيراً ...
كُنْ ، كعهدِكَ ، صامداً !
ما نفْعُ أن تشكو إذا نابتْكَ نائبةٌ ؟
أفِقْ
وادخُلْ ، بكل أناقةٍ ، في البهوِ
وانظُرْ نحوَ سُـلَّـمِـهِ الذي في الرُّكْنِ ؛
وادعَكْ قِرطَكَ الفضّيَّ :
................
................
................
سوف تجيء مَن تهوى !

لندن 20.12.2012

تنويعاتُ النبتة المنزليّة

بَعدَها
بعدَ تلكَ التي كنتُ سمَّيتُها
 أوّلاً ،
أقصدُ : النبتةَ المنزليّةَ  ...
أمسيتُ ذا أربعٍ :
نبتةٌ عند زاويةِ البارِ .
أُخرى تُفَضِّلُ أن تتفتّحَ في غرفةِ النومِ .
ثالثةٌ تتألّقُ في شُرفتي وهي تستقبلُ الشمسَ.
رابعةٌ تومِيءُ الآنَ ،  مُتْرَفةً ،  من أصيلِ الحِجازِ.
ولكنني أحفظُ العهدَ
أحفظُ أنّ التي كانت  النبتةَ المنزليّةَ
سوف تظلُّ  (كما كانت) النبتةَ المنزليّةَ
تلك التي كنتُ سـمَّـيْـتُـها
أوّلاً !

21.12.2012  لندن

صديقتي التي كانت شيوعيّةً في البصرةِ

تقولُ مَن كنتُ أردتُ أن تصحبَني في رِحْلتي الآنَ :
ولكنّكَ ، يا سعدي ، بلا بيتٍ !
أجـبْـتُها : لكنّ لي سقفاً ...
ولي بيتٌ بهِ بابٌ
به غرفةُ نومٍِ
و به مكتبةٌ مُثلى
وما أستقبلُ الناسَ بهِ  : بيتُ معيشةٍ ؛
بل إنني ألمحُ من شُرفتهِ الغابةَ والبحيرةَ الكبرى ...
أنا شيوعيٌّ
ولا أريدُ أن أملِكَ .
مَنْ يملِكْ يكُنْ عبداً لِما يملِكُ ...
................
................
................
هل أسألُكِ الآنَ :
أما كنتِ، الشيوعيّةَ ،  في البصرةِ ؟
قولي ...
ما الذي غيَّرَكِ اليومَ إذاً ؟

لندن  21.12.2012

عشيّةُ الميلاد

ويقولُ بدْرٌ :
مريمُ العذراءُ  ...
" تاجُ وليدِكِ الأنوارُ لا الذهبُ "
ولكني هنا ، في لندن الكبرى
مع المذياع والـمِـشوافِ ، يا بدرُ العزيزُ
يَـؤودُني الذهبُ ؛
لا مريمُ العذراءُ تحت النخلةِ الفَرعاءِ
لا الطفلُ  الإلهيُّ  ...
المدينةُ ، سيّدي ، عطَبُ  .
عذارى !
ربما ، من بعدِ عشرينَ افتراشاً !
أيَّ طفلٍ نحنُ ننتظرُ ؟
المسيحُ مضى ، كما تمضي الأغاني دائماً ...
صلَبوهُ
أو قالوا لنا : اخترَعوهُ من بُرْديّةٍ  ...
والآنَ
في الميلاد
عند عشيّة الميلادِ
تنفتحُ المخازنُ :
ليلُنا ذهبُ  !
.................
.................
.................
سلاماً ، بدرُ
وحدَكَ قلتَ :
" تاجُ وليدِكِ الأنوارُ لا الذهبُ "

لندن  22.12.2012

من أهازيجِ أطفالِ البصرة

الحندقوقةُ في الرَبيّـةْ
قطَّعوا شَعرَ الـبُنـيّةْ

قد قطّعوا شَعرَ البُنيّةِ ، هم أتَوا ، غربانَ يومٍ للقيامةِ
هم أتَوا بطُيورِ فولاذٍ ، بسِجِّيلٍ تحَدَّرَ من جهنّمَ ...
هم أتَوا بعمائرٍ  تسعى وتَسحَقُ . سَمِّها دبّـابـة .ً
و أبو الخصيبِ ينامُ أخضرَ . قطّعوا شَعرَ البُنَيّــةْ .

الحندقوقةُ في الرَبيّــةْ
قطّعوا ثوبَ البُـنَـيّـةْ

كان العراقُ مع القطارِ .الخطُّ يحملُنا ونحملُـهُ ، بطـيئاً
واثقاً . كان القطارُ يُجرجِرُ العرباتِ ، واحدةً فأُخـرى.
نحن كنّا أُمّةً . بل نحن كنّا الجِنَّ . ما كنّا ذئاباً . بل أكادُ
أقولُ : كنّا نُشبِهُ الحِملانَ. يحملُنا قطارٌ واحدٌ وغدٌ بعيدُ.

الحندقوقــةُ في الرَبيـّةْ
قطّعوا كُسَّ البُـنَـيّـةْْ

لكنّهم جاؤوا. لقد جاءَ الغزاةُ . وجاءَ من تكساسَ وغـدٌ .
سَمِّهِ جورج بوش ، أوباما ، إلى أن صارَ ، قبلَ دمي ، عراقيّاً
إلى أن صارَ عمّي ... أنتَ تعرفُ : إنها أمّي. وهاأنذا أطوفُ.
كأن بُلدان اللجوءِ ، البصرةُ الأولى ....

لندن 23.12.2012
--------------
* الأهزوجة الأصلية التي أحفظُها منذ طفولتي تقول : حندقوقة بالربيّة . قطّعوا كُسّ البنَيّة .

تعويض

الطيورُ اختفتْ
فلا حِدَأٌ تهفو على القمّةِ البعيدةِ
لا مِن يمامةٍ
كانت الريحُ شماليّةً ، وثلجٌ قريبٌ
في الشميمِ .
انتبهتُ
كانت ثلاثٌ ورَقاتٌ مثل الهشيمِ يُـحَـلِّقْنَ
و يَـمْـرُقْنَ …
السماءُ احتفَتْ :
 أهُنَّ الطيورُ ؟

لندن 27.12.2012

ناسُخُ أرواحٍ ؟

إنه المغربيّ
إنه المغربيُّ محمّد
إنه المغربيُّ محمّدُ بو العيشِ
إنه المغربيُّ محمّدُ بو العيشِ من طنجةَ
المغربيُّ محمّدُ سمّى ابنَه ، عامَ  ألفَينِ 2000 :
 سعدي يوسف !
ما الذي أفعلُ الآنَ ؟
إنْ جئتُ طنجةَ (دعْني أقُلْ بعد شهرَينِ )
كيف سألقى الفتى سعدي يوسف ؟
أهذا الفتى المغربيُّ ... أنا؟
هل أنا ، سعدي يوسف ، هذا الفتى المغربيُّ ؟
هدوءاً !
سأدعوه كي نتعرَّفَ :
في البرغولا ؟
عند مَدام بورت؟
في حانة دْرِيس علّوش ( أعني البريد ) ؟
أنمضي إلى " قلبِ طنجةَ " ؟
أم نكتفي بالمقاهي التي عند " سوق الـمُـصَـلّى " ؟
قد تكونُ هيَ ، الخيرَ ، خطَّ حيادٍ  ...
فليس من السهلِ أن تعرفَ ، الآنَ ، أيَّ فتىً مغربيٍّ ، ستلقى !
................
................
................
ولكنني واثقٌ أنني سوف ألقى هنا
أو هنالكَ
أو هاهُنا :
سعدي يوسف !

لندن 28.12.2012

معجزةُ مَطْلعِ 2013

إنني أتشاءمُ ، مثلَ كثيرٍ ، من الرقم :
13
أنا لا أسكنُ الغرفةَ
 13
 في الفنادقِ.
منزلُ أوكتافيا في بْروكْسل كان يحملُ رقمي المخيفَ
13
( ولهذا سُلِبْتُ قلادةَ بغدادَ ، ليلَ المحطّةِ )
رِحلةُ الشؤمِ نحو شواطيء مَسْقطَ كانت شباط
13
غرفةُ العمَليّاتِ حيثُ يموتُ النبيُّ ، هي الغرفةُ
13
آخرُ منفى أعيشُ به الآنَ يحملُ رقمي العنيفَ
13
وإلى أن أموتَ ، أظلُّ أُشِيحُ عن الرقمِ
13
....................
....................
....................
وإذاً
أيُّ معجزةٍ هي في مطْلعِ العام
2013 ؟
*
نبتتي المنزليةُ
تلك التي عند نافذةٍ تشربُ الشمسَ
قد أطْلَعَتْ زهرةً
زهرةً ليس أنصعَ منها بياضاً
زهرةً لا تكادُ تُرى ...
زهرةً هي أُولى ،
زهرةً واحدةْ !

لندن 31.12.2012

طائرةُ تدريبٍ تعبرُ النافذة

طائرةُ التدريبِ العائدةُ الآنَ إلى مدرسةِ الطيَرانِ
تَعَدّتْ نافذتي ، متضائلةً ، كالطيرِ ...
سماءٌ بيضاءُ
وأشجارٌ عاريةٌ
وأنا ، المسكينَ ، أُقَفْقِفُ في الغرفةِ
حتى كدتُ أرى ثلجاً يَـسّـاقَطُ حولي ؛
شُهُباً بِيضاً تَـسّاقَـطُ
أوراقاً من كُتُبٍ تَسّاقَطُ
أثوابَ نساءٍ كنتُ عشقْتُ ، قديماً ، تَسّاقَطُ
أسناناً لَبَناً تَسّاقَطُ
تاريخَ بلادٍ يَسّاقَطُ  ...
...................
...................
...................
ماذا فعلتْ طائرةُ التدريبِ العابرةُ ؟
الطيّارُ الـغِـرُّ
سيدخلُ مدرسةً أُخرى
وسيقذفُ كلَّ قنابلِهِ
وهو سعيدٌ  ...
يَقتلُ فلاّحي نخلِ البصرة !

لندن 04.01.2013

أصواتٌ خفيضةٌ

كان الصُُّبحُ شتائيّاً ، أبـيضَ
والورَقُ المتكرمشُ  ... أسودَ

أسمعُ من جهةِ الغابةِ  خَــفْقاً  ... هل تَخْفُقُ أغصانٌ عاريةٌ ؟
فَـلأُرْهِفْ سمــعي : يقترِبُ الخـَفَـقانُ . أسيرُ إلى النافذةِ.
الـمَشهدُ كالــلوحةِ ، دونَ تضاريسَ . الثُلثُ الثاني أملَسُ .
أُلْصِقُ وجهي بزجاجِ النافذةِ . أسمعُ خفْقاً . أسمعُهُ من جهةِ القلب

كان الـصبحُ شـتائيّاً ، أزرقَ
والورقُ الـمُسّاقِطُ ، بُـنّـيّاً

مطرٌ يدخلُ في العشبِ ، وبين لِحاءِ الدوحةِ والجذعِ ، نــثيثاً
لا ريحَ . و لا طيرَ .سياجُ الخشبِ المتشرِّبُ يبدو لي مُـهترئا  .
لن يبدو خلفَ سياجِ الخشبِ المتهرّيءِ  خِشْفٌ . لن تصدحَ قُبَّرةٌ.
لكني أسمعُ خشخشةً . أهوَ الثعلبُ ؟ أم أنّ الخِشْــفَ يجيء ؟

كان الصبحُ شـتائيّاً ، أخضرَ
والورقُ الـمُتبـرْعمُ ، أبيضَ

أهو نهارُ الأحدِ ؟
اليومَ ، إذاً ، ستكونُ زيارتُــها !
سوف أروحُ إلى الحانةِ  ظُهراً
أتمشّــى
وعلى شفتَيَّ صفيرٌ من أغنيةٍ كنتُ أردِّدُها في باريس !

لندن 10.01.2013

اقـتِـســامٌ

بين شقّةِ " هَـيْـرْفِيلْد " والبصرةِ ، البحرُ
بينهما قارّتانِ
وسبْعٌ طِباقٌ  ...
وبينهما كلُّ ما يَفصِلُ المرءَ عن أصلِهِ
كلُّ ما يصِلُ المرءَ ؛
بل كلُّ ما يصِلُ المرأة المستحيلةَ
بالمستحيلِ .
أتدري كم استمتعتْ نحلةٌ وهي تشتارُ مني العسلْ ؟
لا تقُلْ : إن نخلةَ حمدانَ أجملُ !
هل تعرفُ السنديانَ ؟
إذاً خَـلِّـنا نتفاهمُ :
خُذْ إلى بيتِكَ البصرةَ  ، الأهلَ والنخلَ
واترُكْ ليَ الشقّـةَ المستكنّةَ بين الصنوبرِ والسنديان ...

لندن  11.01.2013

بيتٌ حزبيٌّ

جاؤوا بجَزّاتِ الخرافِ مَعاطفَ ...
الليلُ البهيمُ يلُفُّ نخلَ أبي الخصيبِ ، وساحةَ السوقِ .
الشتاءُ مُقَرِّسٌ
جاؤوا :
لقد كانوا شيوعيّينَ ، ينتقلون سرّاً في الظلامِ
إلى الخليجِ
ورملةِ الظَّهْرانِ
أو إيران  ...
كانوا متعَبينَ ، مطارَدينَ ، وإنْ تفادَوا أن نرى تعَباً .
وقد كانوا جياعاً
غير أنّا ، مثلهم ، فقراءُ
لم يجدوا لدينا غيرَ تمرٍ
غيرَ خُبزةِ مَلّةٍ
والماءِ  ...
..................
..................
..................
في الفجرِ البهيمِ مضَوا .
لقد كانوا شيوعيّين يلتحفون جزّاتِ الخرافِ
ويضحكون !

لندن 11.01.2013

جِلسة اللوتس

مثلَ بوذا ، أُزمزِمُ ، منتظراً لحظةً  لامثيلَ لها :
لحظةَ
 أن يسقطَ الثلجُ أوّلَ !
لستُ أنعَمُ في جِلسةِ اللوتْسِ
جِلسةِ بوذا ،
( تيبّسَ عَظمي ) …
سأختارُ نافذةً من ثلاثٍ ،
وأجلسُ  ؛
لكنني  ، مثل بوذا ، أُزمزِمُ  ، منتظراً  ، مثلَـهُ
أن أرى الثلجَ أوّلَ .
قد هدأَ الدّغْلُ
والريحُ واقفةٌ مثل شُرْطيّ سَـيرٍ ،
وآخرُ طيرٍ توارى ...
و لا رفّةٌ في الغصونِ التي عَرِيَتْ منذُ دهرٍ .
سماءٌ رصاصيّةٌ تتبدّلُ بيضاءَ ،
هل نصُعَ الكونُ ؟
هل ألقت الأرضُ أوزارَها ؟
ثَـمَّ في الـهُـدْبِ مُرتجَفٌ .
في العيونِ بريقٌ .
وفي نقطةٍ من أديمِ الزجاجِ الفُجاءةُ :
قد سقطَ الثلج ...

لندن  12.01.2013

مَــوعِـدٌ ؟

إنّ لي ، يا زُهَيرةُ  ...
تسعاً وسبعينَ ؛
ماذا تريدين مني ؟
وماذا أريدُ ؟
تقولين : عَمّانُ بيتُكَ .
عَمّانُ بيتي ،
وها أنذا ، أسكنُ القَفْرَ  ... أسكنُ لندنَ
حيثُ الضواري أحَنُّ من الناسِ .
قد جئتِني ( أتذكّرُ ) زاهيةً بالقلائدِ والبسمةِ الملكيّةِ
( كان الوشاحُ ندىً من فلسطينَ )
ثم انتهينا إلى الليلِ
والويلِ  ...
.................
.................
.................
لكنّ لي الآنَ تسعاً وسبعينَ ...
*
سيّدتي
سوف أطرقُ باباً بعمّانَ
كي ألتقيك !

لندن  12.01.2013

سـيمفونيّةٌ  مَـرْئِـيّـةٌ

أفُقٌ أبيضُ .الساحةُ الدائريّةُ بيضاءُ . سقفُ البناياتِ أبيضُ.
والشجرُ المتضائلُ أبيضُ .في البُعْدِ تبدو البحيرةُ بيضاءَ بيضاءَ .
حتى السياجُ الذي فقدَ اللونَ قد صار أبيضَ . ممشايَ أبيضُ.
شَعري الذي طالَ دهراً لأضفِرَهُ ... أبيضُ . الغـيمُ فوقَ
الـمَراكبِ أبيضُ .والورَقُ المتناثرُ في غرفتي أبيضُ . الضوءُ
أبيضُ.ذاكرتي تأفُلُ الآنَ ، بيضاءَ . لا نخلَ فيها ولا نهرَ ...
كلُّ النساءِ اللواتي مررْنَ على شرشفي، يرتدِينَ العباءاتِ بيضاَ.
سأبسِطُ كفّيَ بيضاءَ من غيرِ ســوءٍ . دمي أتخَـيّـلُُهُ أبيضَ.
القِطُّ ، هذا الذي يتربّصُ بالطيرِ ، أبيضُ . والطيرُ أبيضُ .
أغمضتُ عينيَّ حتى أرى ، مثلَ ما أنتَ ، دوماً ، ترى ...
*
أتَـقَـرّى المآذنَ في أصفهانَ : كأنّ لِـزُرْقَـتِها خُضرةَ البحرِ.
هل كنتَ في فاسَ ، حيثُ العباءاتُ تخرجُ زرقاءَ من جَـفْـنةٍ ؟
هل رأيتَ حديقةَ مُرّاكشَ : الزُّرقةَ الملَكيّةَ والشّوكَ ؟ فَخّارَ دَلْفِتْ ؟
عيونَ التي كنتَ أحببتَ يوماً بباريسَ ؟ زرقاء . زرقاء . إني أُحِبُّكِ
زرقاء . لوركا الذي قال: خضراء . خضراء . إني أحبُّكِ خضراءَ.
قُلْ : ما الذي يجمعُ الأزرقَ الفذَّ والأخضرَ ؟ الـمَعْشباتُ التي تتألّقُ
خــضراءَ عندَ السواحلِ ... إفريقيا . والأساطيرُ كانت تقولُ :
دمُ الأُسَــر الملَكيّةِ أزرقُ . لكنّ ماري انطوانيت ذاتُ دمٍ أحمرَ.
الغابةُ المطريّةُ تبدو من البُعدِ زرقاءَ . ما يرتديه الطوارقُ أزرقُ ...
قبلَ ليالٍ ثلاثٍ حلمْتُ بأنيَ أغرَقُ ما بينَ نهدَينِ. والبحرُ أزرق .
*
أنا في عدنٍ .
1986
 كنتُ أرنو إلى جبلٍ كانَ يُسْمى حديداً . ولكنه اليومَ أحمرُ .
قد قال رامبو : أنا الآنَ أسكنُ في الفُوّهةْ .
ليتَ رامبو رأى ما رأيتُ !
 الجحيمُ الذي كان في عهدِهِ خامداً ، لم يَعُدْ خامداً  ...
كان أحمرَ في بهجة الإنتحار .
وفي صيف موسكو أسيرُ إلى الساحةِ . العلَمُ الأحمرُ المتألِّقُ منعقدٌ في الجبينِ.
وفي صيفِ بايجينغ لوّحتُ بالرايةِ الأمميّةِ : حمراء . حمراء . إني أحبُّكِ حمراء.
في 61
كان العراقُ الجميلُ سيُشرِقُ أجملَ
كان العراقُ سيُشرِقُ أحمرَ
كان العراقُ سيُشرِقُ
كان العراق ...

لندن  15.01.2013

عليكَ أن تفُكَّ الحصارَ

أنت تنظرُ عبْرَ الزجاجِ المضاعَفِ
والثلجُ يهطلُ
حتى اختفتْ في البياضِ الصنوبرةُ
( تَذْكرُ الآنَ أنكَ أنبَتَّها قبلَ عشْـرٍ )
وذاك السياجُ الخفيضُ  ...
أتذكرُ كيفَ انتقَيتَ من الرَّدْمِ أحجارهُ ؟
( كان ذلك من قبلِ عَشرٍ )
أتمضي ، إلى أبد الآبدينَ ، تُحَدِّقُ عبرَ الزجاجِ المضاعَفِ ؟
لستَ في نَـشَـزٍ  ...
كلُّ هذا الزجاجِ المضاعَفِ ما عادَ يحميكَ  ...
فالثلجُ يهطلُ
والثلجُ يهطلُ
حتى يُجَمِّدَ أطرافَكَ  ...
انتبهِ الآنَ ؛
خُذْ جُرعةً من شرابِ جامايْكا
وقُمْ
وافتح البابَ
واخرجْ إلى ساحةِ الحيّ
وارقصْ
لتدفأَ 
والثلجُ يهطلُ  ...

لندن  18.01.2013

مُــلــحَـق

في ليل بروكسل :

أشقياءُ مغاربةٌ سلبوني العراقَ الذهبَ

ما آبَ من سفرٍ إلاّ و ...
أنا امرؤ يحبّ الأسفارَ ، حتى القريب منها ، كأن تسافر بقطار اليوروستار من محطة كنج كروسٌ اللندنية إلى بروكسل .
كنت زرت بروكسل مرةً لأقع ضحية احتيالٍ من جانب مسرحيّ عراقيّ كان يقيم في أنتويرب ،و لربما حتى اليوم.
الآن اختلفَ الأمرُ ، فأنا ذاهبٌ أزورُ صديقةً بلجيكيةً كنت أعيش معها أيامَ باريس العجيبة.
أوكتافيا دي بويسير.
كانت أوكتافيا زوجةً للرسام البلجيكي المعروف ديس دي برون ( توفي في العام 1998 ).
في باريس افترقا ، أوائل التسعينيات ، فقررت السيدةُ العيشَ معي في الضاحية الباريسية أوبرفيلييه.
Aubervilliers
تقلّبتْ بنا الأمكنة والظروف ، لكنا ظللنا على صلةٍما.
قبل عشر سنين زارتني في لندن.
الآن أزورها ، في نيسان ، بعد سنواتٍ عشرٍ ، ملأى.
لسنا ، نحن الإثنين ، في غضارة الصبا.
الزيارة ، إذاً ، لها معنىً أعمقُ.
في شباط الماضي قلت لأوكتافيا : أريد أن أزوركِ . قالت : مرحباً بك . قلت: سأبقى أسبوعين . قالت :
ابقَ ما شئتَ. سألـتُها : في مسكنكِ ؟
أجابت : أين إذاً ؟
*
أوكتافيا تعيش في حيّ غير بعيد عن وسط العاصمة ، حيّ مختلط الأجناس واللغات . منزلها قريب من محطة مترو. في منزلها كلبان ، أحدهما نصف ذئب.
شقّتها أقرب إلى أتيلييه ، وتضمّ عدداً من أعمال زوجها الراحل.
قدّمتْ لي سريرها ، وارتضتْ لنفسها سرير الضيوف.
الكلبان يعيشان معها في الشقة.
*
أوكتافيا تغنّي في أوبرا شعبية .
تروي حكايات للكبار والصغار.
وتتابع باهتمامٍ المعارضَ التشكيلية.
*
لأوكتافيا علاقة وثيقةٌ بمركز ثقافيّ فلمنكيّ ( تمييزاً عن الثقافة الوالونية الفرنسية ) ، اسم المركز : سينما Zinnema
وهي تذهب إلى هناك أكثر من مرتين أسبوعيّاً.
*
مساء السابع عشر من نيسان ، أي ليلة سفري عائداً إلى لندن ، قالت لي : أنذهبُ إلى المركز؟ هناك جازٌ حيٌّ. هي تعرف أنني أحبّ الجاز . قلت لها : لكنْ علينا ألاّ نتأخر . قالت: ساعة واحدة فقط !
ابتدأ الجاز متأخراً ساعةً تقريباً عن الموعد المقرر.
أوكتافيا ظلّت تكرع النبيذ . أنا امتنعتُ تقريباً.
ضجرتُ .
خرجت من القاعة أتمشّى في الممرّ لعلّ أوكتافيا تخرج لنعود إلى شقّتها.
لا خبر.
أخيراً جاءني مدير المركز وزوجته . قالا لي : أوكتافيا زادتْها هذا المساء . أنت تعرفها .
خرجتْ أوكتافيا ضاحكةً .
بمجرد بلوغنا الشارع ، فقدتْ صديقتي القدرةَ على السير المتزن.
قلت لها : الخير أن نعود في تاكسي.
رفضتْ.
هكذا سرنا  بمشقّةٍ حتى بلغْنا محطة المترو .
كانت الساعة حوالي الحادية عشرة.
في المدخل ، كان الحرّاس ذوو السترات الحمر المخططة ، يبدون مغاربةً ، وكان أيضاً عددٌ من الشبّان المغاربة يتمازحون ويتصرّفون بصورة مريبة غير بعيدين عن الحراس.
أوكتافيا التي تحبّ المغرب كثيراً ، حدّ الاشتراك في " المسيرة الخضراء " ، لم تهبط إلى القطار ، وإنما اتجهت إلى المغاربة ، تمازحهم وتتضاحك معهم . رجوتُها أن تأتي نحوي ، لكنها أصرّت على البقاء بين الشبّان المغاربة .
لاحظتُ ، مرتعباً ، أن أحد الشبّان كان يحاول انتزاع خواتمها من أصابعها ... احتدمتْ . كادت تسقط على الأرض . سحبتُها إلى المدخل لنأخذ القطار ، لكن أحد الحراس اعترض قائلاً  إنها سكرى . والقانون يمنع السكارى من استخدام القطار. والأرجح أنه كان يريد أن يساعد الشبّان على سرقتها . فجأةً اندفع أحدهم إليّ.
كنت بعيداً شيئاًما . اندفع إليّ وسحب من عنقي سلسلة الذهب ، العراق الذهب ، السلسلة التي أهدانيها صائغٌ عراقيٌّ في السويد ، والتي تحمل خارطة العراق . لا أدري كيف عرف اللصّ المغربيّ أنني أحمل سلسلةً . كنت ألفّ رقبتي بإيشارب أبيض أسود على طراز حمار الوحش ، أهدتنيه أوكتافيا. حاولتُ الإمساك بالسلسلة فتدفّق الدم من إبهامي . فرّ اللصوصُ فجأةً.
جاء الحرّاس .
قالوا : استدعَينا الشرطة.
جاء الشرطة.
بعد سلام وكلام ...
وتحقيقٍ أوّليّ ، وسؤالٍ عمّا كنتُ بحاجة إلى سيارة إسعافٍ ...
بعد هذا كله :
حملتنا سيارةُ الشرطة إلى منزل أوكتافيا التي ظلّت تهذي طوال الطريق.
ولقد كانت الليلة ليلاءَ حقّاً :
ظلّت أوكتافيا تعوي  ، مثل لبوءةٍ جريحٍ . تعوي الليل كلّه :
سرقوا بطاقتي الحمراء الصغيرة . سرقوا بطاقة الإئتمان البنكيّ . سرقوا بطاقة التأمين الإجتماعي ... واه ! واه!
سأكون عنصريّةً !
أجهزتْ على قنينة نبيذ .
حاولتْ أن تدخن لكني منعتُها ، خشية اندلاع حريق في الشقّة.
الكلب نصف الذئب ظلّ هادئاً.
*
 والآن ؟
أعتقدُ أن الأشقياء المغاربة فعلوا ما كان عليّ ، أنا ،  أن أفعله :
الخلاص من فكرة العراق الذهب !
العراقُ لم يعُدْ قائماً .
ولن يعود ...
*
في منزلي بحثتُ عمّا أطوِّقُ به عنقي.
تذكّرتُ قلادةً سوداءَ تحمل صورة شي غيفارا.
هذه القلادة اشتريتُها ، ذات صباح نيويوركيّ ، من بائعٍ جوّالٍ ، أسود.
القلادة سوداء.
غيفارا بالأبيض والأسود.
*
أذهبُ بغير ذهبٍ.
النبيّ لا يورث.
هكذا قال محمد بن عبد الله  على فراش الموت.

لندن 20.04.2012
 
القصائد
فتوّة
ترنيمة للميلاد
هذا الأول من أيّار
صباح باريسي خفيف
كنت أتمشّى ظهراً
دعابة
يا نبعة الريحان
ألعاب لغوية
العراق آت
محاولة اندماج
غير بعيد عن البحر
غادر الآن
أسمع المطر الليلة
رؤيا عام 2012
رباعية
نهار أحد مشمس في مونمارتر
قمر في الشتاء الإنجليزي
صلاة في 31 كانون أول 2011
المستحيل
نقّار الخشب
الأطلال
يقظة الأحد
في مساء المرفأ
غيوم من الأطلسيّ
نساء سوق المصلّى
ساحة العاجزين
" العرائش " نهار المولد النبوي
البيت
خواطر 8 شباط
الإسلام ديناً
سلام من هناك
ضباب
تنويع على " ما مقامي بأرض نخلة " للمتنبي
أفقر الفقراء
التحديق إلى أسفل
استمطار
القديس الإيرلندي
درب الزجّاجين
ليلية في ليل عاصف
الهاتف يختنق
من صبر ظفر
أبولّينير
الهدوء
بياض
اعتذار
منظر صباحيّ
أحبّ النحيلة
رضا
بَدَهيّة
الكلام الكريه
حديقة الأميرة
القبلة
غفلة
في المقهى مع قهوة سوداء بلا سكّر
لقد ضاقت بنازلةٍ ذراعي
شمس ساطعة في أوائل أيلول
إحدى وعشرون إطلاقة متأخرة
ثلاث قصائد سحاقيّة
ربّ هبني جناحك
ليليّة
غرفة الاستقبال
مطار هيثرو – المحطة الخامسة
شجيرة الرند
الشتاء يختلف
حمدان الساحر
وعد الله
غزّة هاشم
سأظل مشتاقاً
المدينة المحرّمة
ما نسَجَ العنكبوت
تمتمة الشتاء
ليس على العاشقة حرَج
الجميلة والأخطبوط
الشيخ الأخضر
نفسٌ مطمئنة
محاولة تثبيت
المرفأ
الشيوعيّ الأخير يتمازح
تنويعات النبتة المنزلية
صديقتي التي كانت شيوعية في البصرة
عشية الميلاد
من أهازيج أطفال البصرة
تعويض
تناسخ أرواح
معجزة مطلع 2013
طائرة تدريب تعبر النافذة
أصوات خفيضة
اقتسام
بيت حزبيّ
جلسة اللوتس
موعد
سيمفونيّة مرئيّة
عليك أن تفكّ الحصار
ملحق : في ليل بروكسل

انتهى

 

اخر تحديث الأحد, 18 غشت/آب 2013 13:27
التفاصيل...
 


damabada.jpg
فيلم " الأخضر بن يوسف "
لمشاهدة فيلم الأخضر بن يوسف اضغط هنا
المواضيع الاكثر قراءه
البحث