من مركز مدينة"مَغْنيّة" بالغرب الجزائري، تستطيع أن تسلك ثلاثة طرق واسعة: أما الطريق إلى وهران فيتجه بك شمالاً، والطريق إلى تلمسان يتجه بك جنوباً، أما طريق الغرب فيوصلك بعد أقل من عشرين كليومتراً إلى الحدود الجزائرية ـ المغربية، ومن ثم إلى مدينة وجدة المغربية، حيث تنفتح أمامك، دفعة واحدة، كل الطرق إلى كل القارات. مركز مدينة" مغنية "متواضع: مفترق نظيف، وإشارات مرور واضحة جداً، ومقهى حديث افتتح مؤخراً في احتفال أذيع خبره من الإذاعة الوطنية، وفندق "مرحبا" الوحيد ومجموعة مطاعم متوسطة وصغيرة، ومحطة الوقود، وموقف سيارات الأجرة. من مركز المدينة، تتفرع دون تمهيدات، الزقة المزدحمة، ومحلات تصليح السيارات، والأسواق الشعبية حيث تتجول الخراف المعروضة للبيع، وحيث يأتي فلاحون عليهم سمات المغاربة ببضاعتهم ونسائهم شبه المحجبات. هنا أيضاً، باعة المقانق والأكباد المشوية، والبطاطس المهروسة والمقلية بشكل أقراص صغيرة لها لون الزعفران. |
التفاصيل...
|
ديمة الشكر * شعر سعدي يوسف له نكهةُ الطازج والنديّ، لكأنهَ أقربَ إلى طلوع الصباح وتفتحّ الليل، فأوقاته الفجر والغسق. ولعلّ مردّ هذا طبيعة الشاعر نفسه: فهو جوّاب الآفاق بامتياز، والصياد الماهر لجماليات الطبيعة أنّى وُجدتْ، والعاشق المرح ولكن المتخفّف من أبجديات العشق اليومي البليد. وأكثر من هذا، سعدي أستاذٌ قديرٌ في وضع رأيه السياسي بطريقةٍ خاصّة في القصيدة؛ طريقة لا يمكنُ النقد أن يصنفها، إذ هي مخاتلة؛ تتسرّب كما لو أنها «غير مباشرة»، لكنها لا تلبث أن تتضحّ بصورة «مباشرةً».
|
التفاصيل...
|
"مدام بيجوس تقول إنها لم تستطع النوم البارحة. تقول إن أصدقاءك الذين سهروا معك كانوا صاخبين، وبخاصة عازف القيثار. تقول أيضاً إن اغنياته لم تعجبها". "زهرة" التي يدعونها في محل حلاقة مدام بيجوس "زهريت" تعجبني، إنها تصر على التحدث معي باللغة العربية، تلوث الكلمات. وتلثغ. لكنها تتوصل، برغم كل شيء، إلى جملة عربية. السواد الفاحم اللامع كان لون شعرها وعينيها الواسعتين. وحين تتحدث تأتي كلماتها خفيضة ومليئة معاً، وكأنها تهمس دائماً بالأسرار. "الشاب الإنجليزي الذي كان يغني رأيته اليوم. التقينا في السلّم. كنت صاعدة من محل الحلاقة إلى أمي لأتناول قهوة أخرى. قال لي: صباح الخير، وكادت قيثارته تضربني، لكنها لمست شعري فقط. اعتذر ضاحكاً، وتابع نزوله".
|
التفاصيل...
|
الضوء مطفأ داخل الشقة. حين سمعت الدقّ على الباب، قدرت أن الساعة هي الثانية بعد منتصف الليل. في البلاد الأخرى يحرصون على الاحتفاظ بالمفتاح داخل الثقب، خشية أن يلاحظ من هو خارج المنزل، النورَ، من خلال ثقب المفتاح... أو خشية إدخال مفتاح مقلد من خارج الباب. تستطيع أن تبقي النور مطفأ، وأن تعرف القادم الذي يطرق الباب، أو يضغط على زر الجرس الكهربائي، بمجرد النظر في >عين السيكلوب<، العين السحرية المثبتة في خشبة الباب، عدسة صغيرة مكبرة. عندما تضع عينك على العدسة يبدو القادم من آخر الممر الخارجي ـ وغالباً ما يكون هذا الممر مضاءً ـ قميئاً، قصيراً، وما أن يخطو خطوة حتى يبدأ بالتعملق. فإذا قارب الباب اتسع وجهه، واتسع، حتى ليكاد يغطي المسافة بين جداري الممر كلها. إن >عين السيكلوب< تقوم بدور سكرتير منزه عن الخطأ في استقبال الناس. الدق على الباب يزداد عنفاً. غادرت فراشي، حافياً، لئلا يصدر مني أي صوت... لم أكن بحاجة إلى النظر من خلال >عين السيكلوب<، فقد كان صوت مدام داي يتعالى مصحوباً بدقاتها العنيفة |
التفاصيل...
|
العمال المغاربة الثلاثة الذين رأيتهم مقيمين في الفندق، منذ مجيئي قبل ثلاثة أيام، ما يزالون يرتدون معاطفهم الثقيلة، حتى في هذه الظهيرة المشمسة من شتاء >ملقا<. كانت وجوههم تشبه جلداً سيء الدبغ، وكانوا يتحدثون همساً، متقاربي الرؤوس. في شرفة الفندق الأول شعره أصفر بلون التبن الرطب، الثاني شعره أسود جعد، أما الثالث فشعره خليط من الملح والفلفل الأسود. قال الثالث: سوف يجيء حتماً. قال ذو الشعر الأصفر: من يدري؟ قال الثاني: هذا الفندق الغالي أكل دراهمنا خلال أسبوع فقط، لولاه لاخترنا فندقاً آخر. في الطاولة التي تلي طاولة المغاربة، يجلس الضابط البحري، المتقاعد منذ بدء الحرب الأهلية، مع سكرتيرته الأرجنتينية، فهو الآن مدير لإحدى شركات التعهدات البحرية في الأرجنتين.
|
التفاصيل...
|
كان ضحى ربيعي غريب ينتشر في شوارع المدينة، وفي السماء التي لا يلمح فيها سوى قطع صغيرة من غيوم بيض عالية جداً... أما جبل >تسالة< الغائم عادة، فيبدو شديد الوضوح، حتى ليتخيل المرء ـ دون جهد ـ ممراته الضيقة، المحفوفة بأشجار الصنوبر والعفص... حتى الأشجار الجرداء المتشققة اللحاء في الشارع الذي يصل بين وسط المدينة وثكنات الدرك الوطني، تبدو وكأنها سوف تنفتق فجأة عن براعم خضر ذات زغب أبيض. كان يوم أربعاء. ازحت ستائر الحبال المنظومة خرزا من البلاستيك الملون، ودخلت >لامبيانس<، مخلفاً ورائي، للحظة قصيرة، الصوت اللدن لارتطام الخرز ببعضها، وجلست في ركن من الحانة، ثم طلبت ربع زجاجة من النبيذ الوردي. وأخرجت كتاباً. يوسف كان وحده.
|
التفاصيل...
|
ليسَ لديّ الليلةَ ما أتذكّرُهُ ليس لديّ حقائقُ : أعني ، مثَلاً ، أنّي لا أتذكّرُ أين وُلِدْتُ أو أنّ الخبزَ ضروريٌّ ... أو أنّ شيوعيّةَ ماو تسي تونغ هي الأجملُ ! أحياناً ندخلُ في نفَقٍ يدخلُ في أنفاقٍ هل نتفكّرُ ؟ رُبّتَما كان الخيرُ لنا ألاّ ندخلَ في النفقِ الأوّلِ ... ربّتما كان الخيرُ لنا أن نهتفَ : إن شيوعيّةَ ماو تسي تونغ هي الأجملُ!
|
التفاصيل...
|
للّذينَ ارتضَوا أن يكون العراق فندقاً عائماً لا بلاداً . للّذين ارتضَوا أن يكون العراق جبلاً من دشاديشِ غرقى. للذين ارتضَوا أن يكون العراق سوارَ العشيقةِ ... أن تمسيَ البصرةُ الأُمُّ مبغى الخليجِ وأن تتنصّلَ بغدادُ من إسمِها ... للّذين ارتضَوا أن يكونوا الأدِلاّءَ أن يَهَبوا كلَّ ما كنَزَتْ أرضُنا للغريبِ المدجَّجِ أن يعبِدوا أبرَهةْ أن يقولوا : العراقَ انتهى ...
|
التفاصيل...
|
|
|
<< البداية < السابق 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 التالى > النهاية >>
|
Page 154 of 190 |